على نفسها، وخاضت المعركة، والكفة راجحة رجحاناً ظاهراً في جانب الباطل، فقلبت بيقينها ميزان الظاهر، فإذا الحق ظاهر غالب (١).
ونعود إلى تكملة تحليل الآية، حيث ذكرت أهداف المعركة الثلاثة من الوجهة القرآنية، التى تدل بإشارتها إلى معان أخر تحملها تلك الأهداف:
أول أهداف المعركة: هو أن الله تعالى يريد أن يحق الحق بكلماته، يعنى تعلقت إرادة الله هنا بتثبيت الحق وتدعيمه وشد أساساته وأركانه، فلا يتزعزع ولا ينكسر، بل يقوى ويستقر والحق هنا هو دين الحق أي الإسلام، وقد أطلق عليه الحق في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كقوله:{حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ}[الزخرف: ٢٩]، وإن إحقاق الحق باستئصال معانديه، أنتم تريدون نفعاً عاجلاً قليلاً، وأراد الله نفعاً عظيماً في العاجل والآجل، وذلك كله بكلماته، بسبب كلماته، مثل آيات القرآن النازلة في قتال الكفار، وما أمر به الملائكة من نصرة المسلمين يوم بدر وغير ذلك مما هيأ به للمعركة سبحانه شرعاً وقدراً، وكلماته سبحانه وتعالى لا تتخلف كما في قوله:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ}[الفتح: ١٥].
الهدف الثاني: هو قطع دابر الكافرين، وهو إزالتهم حتى لا يبقى في مؤخرتهم أحد من ورائهم وإن ذلك لتخضيد لشوكتهم، وإظهار أمر المسلمين ورفع شأن الإسلام، وما يكون فيه المسلمون من أمن واطمئنان بال، وإن حرمهم الغنى العارض، إذ كانوا يحسبون أنهم لا يستطيعون هزيمة عدوهم، إن في ذلك سمو رتبة الدين وعلو كلمة الحق، وهذا ما تحقق للمسلمين بعد بدر، وهم راجعون لا يصدق مسلم ولا يهودى ولا وثنى أنهم انتصروا لقد قلبت الموازين والحسابات، وتغيرت المواقف والأوضاع، ودخل الإسلام
(١) انظر سيد قطب، في ظلال القرآن (٢/ ١٤٨١ - ١٤٨٢).