للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقدارها.

وهذا ما يدلنا عليه تأكيد سابق في سورة النور لتوضيح هذا الأدب وهو في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} حيث إن الآية ذكر لها المفسرون تفسيرين ما يعنينا هنا هو: اعتبار إضافة {دُعَاءَ} إلى {الرَّسُولِ} من إضافة المصدر إلى مفعوله، المقدر الفاعل ضمير المخاطبين، والتقدير: لا تجعلوا دعاءكم الرسول، فالمعنى نهيهم أن يدعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يدعو بعضهم بعضًا، وقدر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمسلمين، حيث الخطاب: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا}، {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ}، ليكون حثًا على تلقي هذه الجملة بنشاط فهم، فنهاهم أن يدعوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضًا في اللفظ أو في الهيئة؛ فأما في اللفظ فبأن لا يقولوا: يا محمد، أو يا ابن عبد المطلب، ولكن يا رسول الله، أو يا نبي الله، وأما في الهيئة فبأن لا يدعوه من وراء الحجرات، وأن لا يلحوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم كما جاء في السورة التي معنا نتكلم فيها عن آداب مخاطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي سورة الحجرات. لأن كل هذه الأخلاق من الجلافة التي لا تليق بعظمة قدر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا أدب المسلمين، وسد لأبواب الأذى عن المنافقين. (١)

بيد أنه لا يسعنا مع ما وصلت إليه أحوال المسلمين اليوم إلا أن نشير إلى ما كان عليه أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الاستجابة لهذه التوجيهات والعمل بمقتضاها مسارعة لرضا الله تعالى، وتعظيمًا لأوامره، والتي تظهر أول ما تظهر في محبتهم لرسوله وتعظيمهم له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

كان أول المسارعين إلى ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ونذكرهما بالذات أولاً لكونهما خاصة الخاصة عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولورود ذكرهما في أسباب نزول الآيات التي


(١) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٣٠٩ - ٣١٠/ ١٨).

<<  <   >  >>