للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهر له كالجهر لغيره بمعتاد القول، فكيف بما هو أشنع وأسوأ، وهو ما جلاه قوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)}.

وهذا العقاب الشديد معناه أن التقصير في هذا الأدب مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤدي إلى الكفر الذي تحبط به الأعمال، ومعنى كلام الله تعالى: أن الجهر بالقول له يفضي بكم إن لم تكفوا عنه أن تحبط أعمالكم، ويكون التقدير عند البصريين لا تجهروا له بالقول خشية أن تحبط أعمالكم، وتقدير الكوفيين بتقدير {لَا} النافية فيكون أن لا تحبط أعمالكم. (١)

والحَبَط: تمثيل لعدم الانتفاع بالأعمال الصالحة بسبب ما يطرأ عليها من الكفر مأخوذ من حبطت الإبل إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها واعتلت أو ربما هللت، وقد جاء في الحديث ما يدل عليه في قوله: (وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطًا أو يلم)، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥] (٢).

ومما سبق يتضح شيء من المقصود من القيام بسلوك واجب الأدب، وحسن المعاملة التي تحقق بها الصحابة رضوان الله عليهم، خشية أن يحل عليهم عذاب الله أو تصيبهم الفتنة من الوقوع فيما يحرجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيغضب له الرب، فيعد لهم هذا السيئ من العذاب، ومن ثم جاء التحذير من الله لمن بعدهم إلى أن تقوم الساعة أن يقعوا في ذلك أو أن يتساهلوا فيه ويستمرئوه وأنهم إذا وقع منهم ذلك مهما كانت لهم من أعمال صالحة - يظنون - فإنها لن تجديهم نفعًا، بل هي هباء قد ذهب منثورًا، وهو حال الذين يزعمون اليوم أنهم مسلمون صادقون، فكيف بحال من يبطن الكفر ويدعي الإسلام، إن مآل إليه حال المسلمين اليوم


(١) المفردات حَبِطَ، انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٢١/ ٢٦).
(٢) الحديث البخاري (١٣٧٩).

<<  <   >  >>