ليدلنا على صحة الرسالة، وصدق النبوة إذ أخبر القرآن بذلك، وليس الكلام في إحباط الأعمال من شأن البشر، وما كان ليقال، ويخبر به إلا من لدن حكيم خبير، حيث لما ظهرت ما حذر منه من أسباب تؤدي إليه.
إن ظاهر الآية التحذير من حبط جميع الأعمال، لأن الجمع المضاف من صيغ العموم ولا يكون ذلك الحبط إلا في حالة الكفر، لأن من الأعمال الإيمان، فمعنى الآية: أن عدم الاحتراز من سوء الأدب مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد هذا النهي قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم، يأتي على عظيم من صالحاته، أو يفضي به إلى الكفر.
قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" أي يكون ذلك سببًا إلى الوحشة في نفوسكم فلا تزال معتقداتكم تتدرج القهقري حتى يؤول ذلك إلى الكفر فحبط الأعمال.
يقول الإمام ابن عاشور في "التحرير والتنوير" تعقيبًا على كلام ابن عطية: لأن عدم الانتهاء عن سوء الأدب مع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعود النفس بالاسترسال فيه، فلا تزال تزداد منه، وينقص توقير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من النفس، وتتولى من سيء إلى أشد منه حتى يؤول إلى عدم الاكتراث بالتأدب معه وذلك كفر، وهذا معنى قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} لأن المتنقل من سيء إلى أسوأ لا يشعر بأنه آخذ في التملي من السوء بحكم التعود بالشيء قليلاً حتى تغمره المعاصي، وربما كان آخرها الكفر حين تضري النفس بالإقبال على ذلك. (١)
على عكس ذلك كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشعرون بالمخالفة اليسيرة ويستعظمونها، ويحزنون لوقوعها منهم حتى ولو بغير قصد وعمد؛ خوفًا من أن يتنزل عليهم غضبه، أو يحل عليهم عذابه، لذلك عظم الله قدرهم، ورفع منزلتهم وأثابهم أجزل
(١) الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٢١ - ٢٢٢/ ٢٦).