المثوبة في الدنيا والآخرة، فكانوا خير أمة أخرجت للناس، هذا ثابت بن قيس بن شماس
- خطيب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت، لما نزلت هذه الآية افتقده النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبر بشأنه فدعاه فسأله، فقال يا رسول الله: أنزلت عليك هذه الآية وأنا رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنك تعيش بخير، وتموت بخير، وإنك من أهل الجنة»(١) وهكذا كانوا في عموم حالهم مع ربهم ورسولهم وقرآنهم ودينهم اعتقادًا وأخلاقًا وسلوكًا ودعوة.
تصديقًا لمثل ذلك، جاءت الآية التالية لما سبق تبين عظيم البشريات وأجمل العواقب لمن كان في سلوكه على مثل هذا النهج الحسن فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)} [الحجرات: ٣].
ونحلل هذه الآية الكريمة نختم بها بعد الترهيب المخوف السابق، بالترغيب المُطَمئِن للنفس، الباعث فيها لروح الرجاء الدافع بالمرء إلى أقصى درجات المحبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لتتفجر منه أقوى طاقات الاتباع والسلوك والاقتداء والتأدب معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع بذل النفس والمال، وهجرة الأهل والوطن لنصرته والذود عنه.
إن أول ما يصادفنا في الآية هو:
- افتتاحها بحرف التأكيد، فالكلام استئناف بياني لأن التحذير في قوله تعالى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} يثير في النفس سؤالاً عن جزاء من حاله ضد هذه الحال المخزي الذي حبط عمله.
(١) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٦٠٨/ ٥)، وحديث ثابت - رضي الله عنه - عند أبي يعلي (٣٨٤٦)، والطبراني (١٣٠٥) وهو حديث حسن.