- فجاء هذا الاستئناف بالتأكيد ب {أَنْ} للاهتمام بمضمونه من الثناء عليهم وجزاء عملهم.
- وتفيد الجملة تعليل النهيين {لَا تَرْفَعُوا} و {وَلَا تَجْهَرُوا} بذكر الجزاء عن ضد المنهي عنهما، وأكد هذا الاهتمام باسم الإشارة في قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} مع ما في اسم الإشارة من البعد الدال على بعد مكانتهم وعلوها، والتنبيه على أن المشار إليهم جديرون بالخير المذكور بعد اسم الإشارة، لجل ما ذكر من وصفهم قبله. (١)
- والغض حقيقته: خفض العين، أي لا يحدق بها إلى الشخص، وهو هنا مستعار لخفض الصوت والميل به إلى الإسرار، والامتحان: الاختبار والتجربة، وهو افتعال من محنة، إذا اختبره.
- واللام في قوله {لِلتَّقْوَى} لام العلة، أو لام الاختصاص، ويكون التقدير على الأولى: امتحن الله قلوبهم لأجل التقوى، لتكون فيها التقوى، فيكونون أتقياء، يقال: امتُحِنَ فلان للشيء الفلاني كما يقال: جُرِّب للشيء، ودُرِّبَ للنهوض بالأمر، أي فهو مضطلع به، فيكون قد ضَرَبَ قلوبهم بضروب المحن، والتكاليف الشاقة لأجل التقوى، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها، وكل ذلك موافق لما عليه المتقون المحمودون في علاقتهم بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل زمان ومكان، صابرين على تكاليف التقوى يقومون بها بخالص المحبة متقبلين لنتائجها، لأن كل ذلك في رضا الله، ووقوع ذلك منهم يدل عليه جواز أن يجعل الامتحان كناية على تمكن التقوى من قلوبهم، وثباتهم عليها، بحيث لا يكونون في
(١) انظر لما سبق أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٦٠٨ - ٦٠٩/ ٥)، الرازي "التفسير الكبير"، والطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٢٢ - ٢٢٣/ ٢٦).