يكن يسعها أن تعطف على الوطنيين المصريين، بل إن حزب تركيا الفتاة (وكان كثير من أعضائه قد لجئوا إلى مصر في عهد السلطان عبد الحميد) كان بعد عام ١٩٠٨ أقل عطفًا عليهم من عبد الحميد نفسه. لكن معارضة فرنسا للاحتلال البريطانى كان لها من الأثر أكثر مما كان لمعارضة الأتراك، وذلك لما كانت تتمتع به من عطف قوى في البلاد، وانتعش نفوذ فرنسا الثقافي بعد تولية عباس حلمى الثاني، حتى رأي الإنكليز أحيانا أن يتخذوا من الإجراءات ما يحد من هذا النفوذ (ومنها إسقاط وزارة نوبار باشا سنة ١٨٩٤) وكانت فرنسا هي الدولة التي ظل الوطنيون المصريون يرجون منها العون حتى عام ١٩٠٤. أما الخديو فلم يكن مركزه ذا شأن سياسى كبير. ولم يوفق عباس حلمى في مواقفه الوطنية في بداية حكمه أكثر مما وفق في أواخره حين أخذ يتقرب من الآستانة ويحسن علاقته بها.
أما السودان الذي يؤثر امتلاكه في رخاء مصر وفي مركزها الدولي أعظم تأثير فقد كان هو أيضا من الوجهة النظرية ولاية عثمانية لا يختلف عن مصر من هذه الناحية. فقد خول فرمان سنة ١٨٤١ لمحمد على أن يحكم ذلك القطر "دون أن يكون له حق توريثه" أبناءه من بعده. وفي عهد إسماعيل كان حاكمان من الإنكليز (بيكر وغردون) يحكمان السودان باسم مصر، فلما ثار محمد أحمد المهدى واستولى على الخرطوم (في ٢٦ يناير سنة ١٨٨٥) وزالت السيادة المصرية عن السودان إلى حين أصبحت السياسة البريطانية وحدها في تلك الفترة هي المتصرفة في شئون السودان، كما كانت أيضًا المهيمنة على استرجاعه. ذلك أن الخديو كان هو القائد الأعلى للجيش اسميًا، ولكن الرتب الرئيسية كلها أصبحت، بعد تنظيم هذا الجيش من جديد في عام ١٨٨٣ , يشغلها ضباط إنكليز، ولما استرجع السودان في عام ١٨٩٨ لم تسمح السياسة الإنكليزية أن يعود ذلك القطر إلى مصر، ووضعت له معاهدة ١٨٩٩ نظامًا من الحكم الثنائى تشترك فيه مصر وإنكلترة، وأغفلت فيه حقوق الباب العالى. وتصرف الخديو حين