للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخرجوا عن جادة الاعتدال، وقام بينهم وبين الإنكليز نزاع دام ثلاث سنين لجأ المصريون فيه إلى وسائل العنف (كتقطيع السكك الحديدية والهياج على الأوربيين) (١) وإلى المقاومة السلبية (كالإضراب ومقاطعة لجنة ملنر) وإلى التشهير بمساوئ الإدارة البريطانية. واستخدم البريطانيون القوات العسكرية لإخماد هذه الحركة) وكانت الأحكام العرفية لا تزال قائمة) ونفوا زعماءها (وقد نفى زغلول مرتين) وانتهز المهيجون البلاشفة وأنصار عودة الخديو السابق عباس حلمى هذه الفرصة فأخذوا هم أيضًا يعملون للوصول إلى أغراضهم. وأخيرًا عدلت الحكومة البريطانية، موقفها فأعلنت إلغاء الحماية البريطانية، واعترفت بمصر دولة مستقلة ذات سيادة (٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢) لكنها احتفظت ببعض النقط الهامة لتسوى فيما بعد (كالدفاع عن مصر وكمسألة السودان) ولاح من هذا الموقف الذي وقفته الحكومة الإنكليزية أن الصعاب التي تكتنف المسألة المصرية قد ذللت، ولكن الوطنيين المصريين لم يروا هذا الرأى. فقد دلت الحوادث التي وقعت بعد شهر فبراير عام ١٩٢٢ على أن الكفاح القائم بين طلب الاستقلال التام والتدخل البريطانى في شئون مصر لم تضعف حدته قط، ولم يصبح أقل خطرا على تقدم البلاد السلمى مما كان من قبل.

[٢ - نظام الحكم والإدارة]

أكمل عدد البكوات المماليك بعد خروج الفرنسيين من مصر إلى أربعة وعشرين كما كان قبل مجيئهم، ولكن الضربة التي أصابت نظامهم الحكومى على أثر الاحتلال الفرنسى أعجزتهم عن مقاومة إرادة محمد على القوية؛ كذلك لم يبق الاحتلال الفرنسى في مصر ما يكفي من الزمن لوضع تقاليد جديدة لحكم البلاد، فقد اضطر الفرنسيون في جمع الضرائب إلى استخدام النظم التي كانت قائمة فيها وقت قدومهم. وكان أهم ما ابتكروه هو


(١) من الثابت أن الحركة المصرية في ذلك العهد لم تتجه اتجاها عدائيا للأوربيين، وإنما كانت حركة وطنية محددة الأهداف، وهي الجلاء واستقلال البلاد.
مهدي علام