للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس من العسير أن نثبت أن هذه "المجادلة" الابتداعية هى من ابتكار الجاحظ نفسه، فهو ينقب عن محاسن ومساوئ الديك والكلب، وفى الوقت نفسه يضع الردود التى توجه إلى "العائب" (موجه الاتهام). وهو يقدم هذه المناظرة إلى القارئ، فى شكل أدبى ممتع جدا وجذاب. . ولم يقتصر الجاحظ على الحديث عن الديك والكلب. . فهو يكشف عن محاسن ومساوئ الكثير من الأشياء الأخرى المعروفة فى زمانه مثل الخنزير والقرد.

وبهذه الأمثلة التى يسوقها الجاحظ، يرمى إلى إقناع القراء بأن كل شئ نسبى. وهو يأمل فى أن يؤدى هذا إلى أن تكون مهمته أيسر عندما يصل إلى شرح وتفسير أطروحته (فرضيته) حول نسبية الخير والشر بالإشارة إلى المخلوقات وضرورة تعايشهما، ومن ثم يبرهن على أنهما خير "فعلى" بالنسبة للخلق، وبقدر ما هما من عمل "اللَّه" (سبحانه). . ويتمكن الجاحظ فى الوقت نفسه من أن يهدم الإطروحة الثنائية ويثبت اثنين من المبادئ الجوهرية للمعتزلة وهما التوحيد - والتعديل (الوحدانية الإلهية والعدل الإلهى)، مع ما ينبثق عن ذلك منطقيًا، ومن أكثره أهمية الإرادة الحرة. ويجب أن نؤكد أن هذه الأطروحة الفلسفية يعرضها الجاحظ على شكل ردود مباشرة منه على الهجمات التى يوجهها "العائب" إلى الاثنين الكبار من المعتزلة لمناقشتها محاسن ومساوئ الكلب والديك.

والخلاصة كما يرى الجاحظ أن كل شئ نسبى، وكل شئ مهم وكل خلق له مكانة. . البيهقى وبتلورفن المحاسن والمساوئ.

[وتبلور فن المحاسن والمساوئ.]

وهناك من سار على نهج الجاحظ واجتذبته طريقته. . ومن بين هؤلاء إبراهيم بن محمد البيهقى (القرن الثالث والرابع الهجريين - التاسع والعاشر الميلاديين). . ومؤلفه المشهور يحمل عنوان "المحاسن والمساوئ" وهو غير معروف لكتاب السّيَر العرب الأقدمين. . ولكننا يمكن أن نقول إنه كان شيعيا