عام ٨٠ هـ/ ٦٩٩ - ٧٠٠ م. ثم أضحى الكلام مبحثا منتظما حينما تحولت تلك البراهين والمناقشات إلى التعامل مع مضمون العقيدة.
وسِمَة الدفاع المنطقى والاستدلالى عن الدين هذه كان من شأنها أن تجعل المتكلمين مرمى لسهام كل من السلفيين والفلاسفة معا.
[(٢) المدارس الكبرى]
أ- النزاعات الأولى: يلوح أنه انطلاقا من موقعة "صفين" وما تمخضت عنه من انشقاقات، يمكن تحديد -ليس بداية التأملات فى مضمون العقيدة بل- تشعُّب تلك التأملات إلى نزعات ومذاهب. وقد وضع ظهور المذاهب السياسية الدينية الرئيسية الثلاث (الخوارج والشيعة والسنة) أمام المفكرين المسلمين مسألة "صلاحية الإمامة" و"حالة التقوى" التى ينبغى أن يكون عليها الإمام؛ وكان هذا هو منشأ مسألة الإيمان وشروط التقوى ومسألة "مسئولية المرء أو عدم مسئوليته"؛ ثم وفى موازاة ذلك "طبيعة القرآن الكريم"(مخلوق أم غير مخلوق) وبالتالى التأكيد على الصفة الإلهية للكلام، وأخيرا المسألة الأعم الخاصة بالصفات الإلهية ووجودها وعلاقتها بالذات الإلهية ووحدانيتها. وبمرور الوقت أُضِيفت مسائل أخرى كثيرة، لكن الموضوعات الأساسية التى قُيض لها أن تشكل كيان "علم الكلام" كانت قد نشأت بالفعل فى ذلك العصر المبكر (عصر الأمويين وبداية عصر العباسيين). لكن مهما كانت التأثيرات الخارجية -كالمناقشات مع الزنادقة المزدكيين حول الخير والشر فى سلوك البشر، ومع اللاهوتيين المسيحيين الدمشقيين حول "كلمة اللَّه"(١) the word of God"، وكذلك اكتشاف العلم والفلسفة الاغريقيين- فقد اتجه علم الكلام أول الأمر إلى اتخاذ شكل مميز
مخالف للمسائل النمطية الإسلامية ومن المحتمل أن المؤثرات الخارجية كان لها بعض الأثر -نتيجة للمناظرات (التى كانت تؤكد على بعض جوانب الموضوعات التى تعالجها) - على اختيار البراهين وربما كذلك على أسلوب الجدل. ومع ذلك تبقى الحقيقة أن "علم الكلام" قطعا ليس تحويرا
(١) المقصود ما ورد بسورة النساء بشأن عيسى ابن مريم عليه السلام. (المترجم)