الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان ابن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكنانجة مسمومة وهو فى مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذى بعثتنى إليه، فقال له: سلم على والدى. فقال له: ما طريقى على النار .. ".
وضعف هذه الرواية ظاهر، لأن عبيد الله بن سليمان مات فى سنة ثمان وثمانين، أى بعد آخر تاريخ فُرض لموت ابن الرومى بأربع سنوات فكان حيا عند وفاة الشاعر، ولا معنى لأن يقول له القاسم: سلم على والدى، ووالده بقيد الحياة.
بين هذه الشبهات المتضاربة شبهة تعرض للذهن ولا يجوز إغفالها فى هذا المقام وهى تبيحنا أن نسأل: ألا يحتمل أن يكون حديث السم كله خرافة مخترعة لا أصل لها، وأن ابن الرومى مات ميتة تشتبه أعراضها بأعراض التسمم المعروفة فى زمانه؟ فمن كلام الناجم الذى زاره فى مرض وفاته نعلم أنه كان يشكو من إلحاح البول وأنه كان أعد ماء مثلوجا، والظمأ وإلحاح البول عرضان من أعراض "مرض السكر" وهو مرض يحدث لصاحبه التسمم ولاسيما بعد أكل الحلوى والإفراط فيها، وابن الرومى لم تكن تنقصه أسباب الإصابة به لأنه كان منهوما بالحلوى والأطعمة الثقيلة مستسلما للشهوات مسرفا فى الشراب مع ضعف أعصابه واعتلال جسمه، فمن الجائز أنه أصيب به فاشتد عليه فى شيخوخته وفصده الطبيب كما جاء فى رواية "زهر الآداب" فأودى ذلك بحياته.
عباس محمود العقاد
[ابن زيدون]
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن غالب بن زيدون: أحد مشاهير الشعراء المسلمين فى الأندلس، ووزير أمراء إشبيلية، ينتسب إلى أسرة عريقة من قبيلة مَخْزوم. ولد بقرطبة عام ٣٩٤ هـ (١٠٠٣ م) وتوفى أبوه وهو