طموح ليصبح الواجهة الرسمية للمذهب السنى المنبعث من جديد. وكان الصراع بين الحنابلة والأشاعرة يصبح حادا أحيانا بل وعنيفا، وكان بوسع بعض المؤلفين الحديث عن محنة ثانية بعد وفاة الأشعرى حينما هدم مدفنه بمقابر بغداد. وفى القرن ٥ هـ/ ١١ م أمر الوزير "الكندرى" بلعن المذهب الأشعرى من على منابر نيسابور، واضطر الديوانى إلى الاحتماء ببغداد (لكن سرعان ما أسبغ "نظام الملك" بعد ذلك تأييده على الأشاعرة). وفى ذلك الوقت تقريبًا كان الصوفى الحنبلى "الأنصارى" يكتب مؤلفه "ذم الكلام وأهله" الذى يتضمن واحدة من أشد الهجمات التى بين أيدينا. وفى القرنين ٧ - ٨/ ١٣ - ١٤ م ردد الحنبلى الشهير "ابن تيمية" أقواله، وقد هوجم هو ذاته وأدين (وتعرض للسجن فى أحد الأوقات) بتحريض من المذاهب الفقهية الأخرى. وهو حين يذكر آراء المتكلمين الذين يرفض صلاحية حلهم لأية مسألة، إنما يشير إلى "القدرية" و"المعتزلة" معا، ويضع فى مواجهتهم "الجبرية" دون أن يميز "الأشاعرة" عنهم. وقد بلغ علم الكلام الغاية حقا بنيل الاعتراف الرسمى به؛ إلا أنه فى ذلك الوقت حينما حاول الحنابلة -وبصفة خاصة ابن تيمية- ممارسة قدر كبير من النفوذ على الحركات المعاصرة سعيا إلى الإصلاح، كانت التوجهات الجدلية للمذاهب والأطروحات يُنْظَر إليها بشئ من الريبة.
[(ب) النزاع على "التهافت"]
فى وقت مبكر للغاية أدت الحملة التى واصلها "الكلام" من أجل الدفاع عن العقيدة به إلى تحدى الفلاسفة. وبالرغم من فشله المطبق فى التغلب على المعارضة الحنبلية، فيمكن القول إنه حتى نهاية القرن ١٩ - بل وربما حتى اليوم فى بعض دوائر الفكر- لعب الكلام دوره فى وصم الفلسفة بالخروج عن الاجماع وإنزالها منزلة دونية.
وكان لدى أول فيلسوف كبير -وهو "أبو يوسف الكندى"- أصدقاء من المعتزلة، كما كان هو ذاته فى عداد المتكلمين. لكن "الفارابى"(الذى وجه نقدا مريرا لمناهج الكلام) وكذلك "ابن