ويسلمون الهدايا المقدمة من شارلمان إلى هارون الرشيد. وفى هذا القصر أيضا عقدت الهدنة لعشر سنين، وتم تبادل الأسرى مع مبعوثى قسطنطين شريف صقلية (١٨٩ هـ/ ٨٠٥ م) كما استقبل حكام الأغالبة التالون مبعوثى الفرنجة وبيزنطة، والأندلس فى هذا المكان -وقد كان بهذه المدينة منذ إنشائها دار الضرب (لسك النقود)، حيث كانت تسك الدنانير الذهبية والدراهم الفضية التى تحمل اسم المدينة، وكان هناك مصنع رسمى للطراز تصنع به الخلع والرايات. وقد تزودت المدينة فى ظل من تتابعوا على الحكم بعد إبراهيم الأول بآثار ذات منفعة عامة وخاصة. فقد أمر أبو إبراهيم أحمد ببناء صهريج كبير، وفسقية لا تزال بقاياها موجودة حتى الآن، وقد كان الحوض يتسع لكمية كبيرة من المياه كانت تنقل إلى القيروان فى الصيف عندما تنفذ المياه من خزانات العاصمة.
ولما أسس إبراهيم الثانى فى عام ٢٦٤ هـ/ ٨٧٧ م مدينة رقادة على بعد بضعة أميال إلى الجنوب حلّت محل العباسية كمقر للوالى وتراجعت مكانة العباسية إلى مستوى منطقة أو ناحية، واقتصر سكانها على الموالى والتجار وظلت على هذا المستوى المتواضع حتى غزو الهلالية (منتصف القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى) حيث اختفت إلى الأبد ولكن كشفا سريعا، جرى فى عام ١٩٢٣ فى التل حيث كانت توجد مدينة العباسية، أسفر عن وجود قطع كثيرة من أوانى خزفية ترجع إلى عصر الأغالبة - فهذا الخزف الأبيض بزخارفه السوداء والخضراء والزرقاء قد أثبت -ولا شك- النماذج الشرقية التى كانت تأتى من العراق (سامراء والرقة) ومصر (الفسطاط) ويجب أن نذكر أن العباسية كانت مسقط رأس العديد من الباحثين والدارسين نخص منهم "أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم" أول مؤرخ للقيروان (المتوفى عام ٣٣٣ هـ/ ٩٤٥ م).