كتب ابن شداد وابن خلكان وياقوت وابن تغرى بَرْدى وغيرهم من المؤرخين وكتاب التراجم عن حياة السهروردى الخاصة والعامة، وأشار كل منهم إلى طائفة من مصنفاته، وإلى بعض المنازع التى نزع إليها فى مذهبه، وما لقيه من محنة انتهت بها حياته فى سبيل هذا المذهب؛ ولكن أحدا من الذين كتبوا عن السهروردى لم يفصل القول فى حياة ذلك الحكيم، ولا فى إحصاء مصنفاته واستقصاء آثاره ووصف أحواله، على الوجه الذى فعله تلميذ مخلص له مدافع عنه هو شمس الدين محمد بن محمود الشهرزورى الإشراقى المتوفى سنة ٦٤٨ هـ = سنة ١٢٥٠ م، وذلك فى كتابه "نزهة الأرواح وروضة الأفراح". فليس من شك فى أن ترجمة الشهرزورى لحياة أستاذه السهروردى هى أتم وأوفى ما وصلت إليه أيدينا من مصادر عن حياة حكيم الأشراق ومذهبه، وما يتصل بحياته من أخبار مولده ونشأته، وإقامته ورحلته، ودراسته وثقافته، وسلوكه وتجرده ومفارقته، وما يتصل بمذهبه وعقيدته من آراء الفقهاء والفلاسفة: فقد وقف أولئك من هذه العقيدة موقف المشككين فيها، الطاعنين عليها وعلى صاحبها، ووقف هؤلاء من ذلك المذهب موقف الناقدين المجرحين محاولين الإبانة عما فيه من نقص وفساد وتناقض، ووقف الشهرزورى بين أولئك وهؤلاء موقف المدافع عن أستاذه، المهاجم لخصومه، المبين لما وقعوا فيه من فساد الرأى فى عقيدة الرجل، وسوء الفهم لمذهبه، وسوء النية فى الحكم عليه بالزيغ والضلال. ولقد كان الشهرزورى من سعة الأفق، ووفرة الثقافات الدينية والعقلية والتصوفية، ومن دقة النظر، وحب الإحصاء والاستقصاء، بحيث كان أعرف من غيره بمذهب أستاذه، وأقدر على فهمه، وأدنى إلى روح صاحبه؛ وكل أولئك من شأنه أن يجعل