أبو على الحسين بن عبد الله (باللاتينية: أفيسنا، وهى مأخوذة عن العبرية أُفن سينا): كان يعد طوال عدة قرون- ولايزال يعد فى بعض بلاد الشرق الإسلامى- إمام العلوم كلها "الشيخ الرئيس"، أما سيرته التى وردت فى كتاب ابن أبى أصيبعة (طبعة ميلر، جـ ٢، ص ٢ وما بعدها) فقد كتبها تلميذه أبو عبيد الجوزجانى كما أملاها الرئيس بنفسه. وتقول هذه الترجمة إنه ولد عام ٣٧٠ هـ) (٩٨٠ م) بأفشنة بالقرب من بخارى. وكان أبوه من أهل بلخ، انتقل إلى بخارى وتولى العمل بقلعة خرميثن، وتزوج امرأة من أفشنة. وبعد أن رزق منها بابنيه، استقر ببخارى وفيها للقى ابناه العلم، وحفظ ابن سينا القرآن ودرس الأدب على مؤدب حتى بلغ العاشرة. وقد دعاة الإسماعيلية الذين كانوا يترددون على دار أبيه إلى الأخذ بعلومهم، إلا أن أنظارهم عن النفس والعقل لم تترك فى نفسه أثرا بليغا أول الأمر. وبعد أن درس الفقه، أخذ المنطق والهندسة وعلم النجوم عن أبى عبد الله الناتلى، ولما كان التلميذ قد نما جسمه ونضج عقله فى سن مبكرة، فقد بذ أستاذه ودرس وحده الطبيعيات والإلهيات والطب. وسرعان ما مكنته ممارسته للطب من فهم هذه الصناعة فهما جيدا، بيدأنه لم يستطع فهم الإلهيات إلا بعد قراءة مصنف للفارابى. وقد حددت هذه القراءة تكوينه الفلسفى، ذلك لأن أنظار الفارابى فى
المنطق والإلهيات التى يرجع أصلها إلى شروح فلاسفة الأفلاطونية الجديدة، وتعليقاتهم على كتب أرسطو، هى التى حددت وجهة تفكيره الفلسفى. وكانت سنه إذ ذاك تتراوح بين السادسة عشرة والسابعة عشرة. وفى هذه الأثناء أتاحت الفرصة السعيدة لهذا الشاب النابه معالجة سلطان بخارى نوح بن منصور، وتمكن بذلك من دخول دار كتبه. ولما كان سريع الفهم قوى الذاكرة إلى حد عجيب، فقد استطاع فى قليل من الزمن أن يحصل من العلم ما جعله قادرا على إبراز معارف عصره فى صورة علمية. وبدأ يصنف الكتب فى سن الواحدة والعشرين، وأسلوبه بالجملة واضح مفهوم.