على أن القضاء على المملكة اللاتينية وأد كل أمل بنى على هذا الأساس. وقد استهل مجئ دولة المماليك عهدا من الفوضى لم تر له الشام مثيلا من قبل.
[الشام فى عهد المماليك]
لخصنا آنفا مغامرات سلاطين المماليك الأولين ضد إمارات الفرنجة. فقد خشى المماليك عودة الفرنجة والعمارات البحرية للدول الأوربية التى كانت تسيطر على البحر المتوسط، فبدءوا يخربون مدن الساحل غير متجاوزين حتى عن أكثر هذه المدن ازدهارا وهى عكا وصيداء وطرابلس ودمروا حصنى صيداء وبيروت وأعيد بناء طرابلس على مسيرة ميلين من الساحل وقد احتفظوا من الناحية الإدارية بالإقطاعات الأيوبية القديمة وقسموا الشام إلى ستة أقاليم كبرى سمى كل منها مملكة أو نيابة وهى: دمشق، وحلب، وحماه وطرابلس، وصفد والكرك (شرق الأردن).
ولم يحقق تاريخ الشام السابق للنائب (نائب الملك) السلطان على زملائه الشآميين فحسب، بل جعل له أيضا مكانة خاصة. ثم إن هذا العامل الرفيع القدر لم يجد إلا مشقة يسيرة فى إقناع نفسه بأن له من الحقوق فى العرش مثل ما أولاه فى مصر. أرادت القاهرة أن تأمن شر أطماع النواب الشآميين فحرصت على تغييرهم باستمرار (صالح بن يحيى) ولم يبلغ عدم استقرار الحكم وطمع الحكام الذين كانوا لا يأمنون ما يأتى به الغد، ما بلغه فى هذا العهد قط. واستمرت لبنان تنعم بضرب من الحكم الذاتى، واستغل مسلمو النجاد الساخطون (الدروز والمتولية) ما وقع فيه المماليك من متاعب بسبب انشغالهم بأمر الفرنجة والمغول، فأعلنوا استقلالهم. ولم يجد المماليك بدًا من حشد جميع قوات الشام، ونشبت من ثم حرب طويلة مريرة (١٢٩٣ - ١٣٠٥ م) انتهت بالقضاء على الثوار قضاء مبرما وتخريب لبنان الأوسط.
وكان خانات فارس المغول يتحرقون إلى الانتقام من الهزائم التى أنزلها بهم المماليك، وكان أعلى هؤلاء السلاطين همة هو غازان (١٢٩٦ - ١٣٠٤ م) وقد استوثق هذا السلطان سنة ١٢٩٩ م