ويقول ابن جبير إن إخوانه فى الدين لم يخفوا رضاءهم عن حكم الفرنجة.
وكان لكل إمارة سكة خاصة بها من العملة الفضية وكان يوجد إيضا البندقى الذهب (besants sarracena أو Semasins) وعليه نقوش عربية. وعادت التجارة، التى كانت خامدة على تفاوت منذ الفتح العربى، إلى النشاط نتيجة لقيام العلاقات البحرية مع الغرب التى اتسعت اتساعا لم يبلغ هذا المدى قط. وكان أهم الموانى هى عكا وصور وطرابلس. وكان آخر مطاف التجارة بين القارات فى إمارات الشمال: اللاذقية أو السويدية التى تعرف الآن بثغر سان سيمون. ولا مناص من أن نرجع إلى أيام الفينيقيين لنجد مثل هذا العهد الذى بلغ فيه النشاط الإقتصادى هذا الشأو العظيم.
وقد عرقلت حالة الحرب النشاط العقلى بين مسلمى الشام ولكنها لم توقفه، ففى دمشق كان القلانسى مشغولا بتاريخه، وكان ابن عساكر قد أتم موسوعته الخالدة الأثر "تاريخ دمشق" التى خصصها للأعيان الذين لهم صلة بالشام من قريب أو من بعيد. وقد أخرج الأمير أسامة بن منقذ فى أواخر حياته المضطربة ترجمة ذاتية لا غنى عنها فى دراسة العلاقات التى كانت قائمة بين الفرنجة والمسلمين. وكان ابن العبرى الشآمى العراقى يكتب بالعربية والسريانية ويجيدهما على السواء. وقد كتب هذا البطريق اليعقوبى باللغة السريانية تاريخا ضخما. ودرس المسلمون والنصارى واليهود ووفقوا فى دراستهم.
ولم يشهد الشام من قبل قط عمائر تقام بمثل هذه الكثرة إلا فى العهد الرومانى. وكانت الحصون التى بناها الصليبيون مُثلا رائعة للعمائر الحربية المأثورة عن القرون الوسطى. ونذكر من الكنائس التى شيدوها البازيليكا الرائعة فى طرطوس، وكاتدرائية يوحنا المعمدان الرشيقة -وهى الآن المسجد الجامع فى بيروت- التى كانت حوائطها مغطاة فى يوم من الأيام بالصور. وتطبع كثير من أمراء الصليبيين بالعادات الشآمية. ويمكنا أن نحيى فى التعاون بين الفرنجة وأهل البلاد مولد حضارة فرنجية جديدة.