وخاصة على فلول الأزارقة بعد موت قطرى بن الفجاءة. ولكن الخوارج عادوا فرفعوا رءوسهم مرة أخرى عندما تصدعت الحكومة المركزية تصدعًا لا يرجى رأبه في عهد أواخر خلفاء بني أمية، وتابعوا غاراتهم، ولم يكونوا في هذه المرة فرقا صغيرة، وإنما كانوا كتائب كبيرة. وأشد فتن هذا العهد هما الفتنتان اللتان قام بإحداهما الضحاك ابن قيس الشيبانيّ في الجزيرة والعراق، وقام بالأخرى عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق، وأبو حمزة، في جزيرة العرب (وفي خلالها احتلت المدينة ذاتها) وانتهت كلتاهما بالهزيمة، بيد أنه من الحق أن نقول إن ما نشرتاه من الفوضى قوض أركان الجانب الشرقى من الدولة الأموية، وأعان فتنة العباسيين على التسلل في يسر إلى قلب الدولة.
ويمكن أن يقال إن حركة الخوارج أيام الخلافة العباسية كانت قد انقرضت فعلًا من العراق وما جاوره، اللهم إلا فتنًا محلية قليلة سرعان ما أخمدت، وعاد مذهب الخوارج غير ذي خطر جدى، فقد غدا مجرد فرقة من الفرق الدينية ليس لها نشاط حيوى ملحوظ أو انتشار واسع. ولكننا نجد في الجانب الشرقى من جزيرة العرب وفي شمالي إفريقية، ثم في الساحل الشرقي لإفريقية من بعد فرعا من الفروع الأساسية للخوارج، ألا وهو الإباضية (أباضية). وكان للإباضية شأن هام في السياسة، بيد أن مكانتهم الدينية بقيت حتى بعد انتهاء شأنهم السياسى، وهم يعيشون إلى يومنا بعقائدهم وشعائرهم وشرائعهم الخاصة بهم.
[٣ - مذاهب الخوارج السياسية والدينية]
لم تكن للخوارج قط -كما رأينا- أية وحدة حقيقية في أعمالهم السياسية أو العسكرية، ولم تكن لهم كذلك مجموعة متسقة من المبادئ. وتظهر لنا مذاهبهم وكأنها آراء خاصة تقول بها فروع من الخوارج قائمة برأسها (وتذكر كتب الملل عشرين شعبة على