أنها لم تفطن إلى العلاقة الحقيقية بين هذه الحركة وبين التحكيم، فنحن نجد من ناحية أخرى أن طبيعة هذا التحكيم وتاريخه غير محققين، والتصحيح الذي ورد آنفا هو رأى كاتب هذه المادة، وهو يخالف به رأى فلهاوزن Wellhauzen (اتبعه في هذا الرأى لامانس Lammens وكايتانى Caetani) الذي ظن أن فتنة الخوارج والتحكيم ينفصل أحدهما عن الآخر، بل إنه يؤرخ وقعة النهروان قبل حكم الحكمين.
[٢ - حروب الخوارج في العصر الأموي]
وأعقبت إدارة معاوية الحكيمة النشيطة إدارة على، فمنعت ثورة الخوارج من الاندلاع ولكنها عجزت عن إخمادها عجزها عن كبح مشاعر الشيعة وأطماحهم. وتذكر مصادرنا عدة فتن شبت في الكوفة والبصرة إبان السنوات العشرين التي استخلف فيها معاوية (٤٠ - ٦٠ هـ = ٦٦٠ - ٦٨٠ م) ولكنها سرعان ما أخمدت، ولم يكن لها من ثمرة إلا مضاعفة عدد الشهداء الذين أصبح تقديسهم والثأر لهم من سمات حركة الخوارج. وكانت البصرة بخاصة إبان ولاية زياد بن أبيه وابنه عبيد الله مسرح أكثر الفتن وإخمادها. وكانت هذه الفتن -وأشدها هولا تلك التي قام بها مرداس بن أدية التميمي أبو بلال- هي التي قررت خطط الخوارج في القتال، وكانت غاراتهم إلى ذلك العهد بحرب العصابات أشبه، ويرجع معظم الفضل في انتصاراتهم إلى سرعة فرسانهم، وهي السرعة التي أصبحت بعد قليل أسطورة من الأساطير (وقد حفظت أسماء بعض خيلهم في المصنفات العربية عن الخيل) وكانوا يتحركون فجأة لا يتوقعهم أحد، ويكتسحون البلاد، ويباغتون المدن غير الحصينة، ثم ينسحبون مسرعين تخلصا من مطاردة جيش الدولة لهم. وكانت المواضع التي يتجمع فيها الخوارج هي البطائح حول البصرة وحول جَوْخَى على الضفة اليسرى لنهر دجلة حيث نشأت حركتهم، ومنها يستطيعون إذا هزموا الاستيلاء توًا على النجاد الإيرانية.