التكوين والانتشار: تأخذ الشيعة الإمامية، على العكس من الطوائف الشيعية الأخرى كالزيدية والاسماعيلية، بفكرة الإمام الغائب. وقد وضع المذهب صفوة من الفقهاء للتأكيد على الولاء لآل على، والحفاظ على الروح الثورية للشيعة. وبعد الغيبة الصغرى (٢٦٠ هـ/ ٨٤٧ م) والكبرى (٣٢٩ هـ/ ٩٤٠ م) تركزت السلطة فى إمامة علماء الشيعة، الذين سرعان ما جمعوا من الأحاديث ما يؤيد مبادئهم فى مسائل "أصول الدين" و"أصول الفقه"، بعد ما تكونت المدارس الفقهية السنية، التى نجحت فى إرساء إمامة أهل السنة.
وقد عرض فى مادة "مرجع التقليد" بالتفصيل للوضع الفقهى للاجتهاد والتقليد فى الشيعة الامامية، وكذلك الأساس الذى بنى عليه الدور المؤثر للمجتهدين ومداه. ولذا فسيقتصر بحثنا، فى إطار الموضوعات الفقهية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية، على ما أظهرته الدراسات الحديثة من عناصر جديدة فى هذا الموضوع الذى لا تنقطع الخلافات بشأنه.
وقد وضعت أول صيغة للمذهب فى عهد الدولة البوهية فى وقت احتدام النزاع بين السنة والمعتزلة وكل فريق يذهب إلى أن اجتهاده يقوم على أساس من العلم لا على الظن، الذى يتأسس عليه مذهب الخصم. وفى هذا المضمار رفض العلماء القياس والاجتهاد، وحديث الواحد. وقد برر الطوسى (المتوفى ٤٦٠ هـ/ ١٠٦٧ م)، وهو يهاجم مبدأ السنة بأن كل مجتهد مصيب، أخذه بحديث الآحاد بتطبيق مفهوم الاختلاف، والذى على أساسه نجح الشافعى فى تأسيس سلطة طائفة أهل الحديث. وترتب على الاعتراف بالاختيار فى مسائل الرأى أن ثار الشك فى وضع المبادئ الفقهية، وجعل الشيعة يتقبلون مبدأ الاجتهاد الذى رفض سابقًا. وفى عهد السلاجقة دخل الفقه الشيعى مرحلة من الجمود.