من السمات المميزة للغة العربية ثراؤها الشديد بالمفردات الدالة على الدرجات اللونية، فكانه قد رؤى أن كل تفصيله مهما دقت، وكل درجة لونية مهما ضؤلت تتطلب اسما هو وقف عليها وحدها. وسوف نتناول بالتحليل فى الجزء الأول من هذا المقال أسماء الألوان من حيث الصرف والدلالة. وبالتالى نستطيع أن نرى كيف تسنى للمفكرين المسلمين من علماء كلام وفلاسفة تحليل الإدراك الحسى للألوان. أما الجزء الأخير من المقال فسوف يخصص للبعد الرمزى الذى تنطوى عليه الألوان. إلا أنه لابد من تقديم بعض الإيضاحات والتعريفات حتى يمكن فهم الموضوع فهما سليما. ذلك أن لون أى شئ -من حيث الإدراك الحسى البحت- إنما نلاحظه أو نرصده بمتغيراته الحسية الثلاثة متمثلة فى درجته (أو قيمته) اللونية، ومدى نصاعته ومدى تشعبه. والأبيض لا يعد لونا، شأنه فى ذلك شأن الأسود. ففى عالم الفيزياء نجد أن الجسم الأبيض يوزع كل الإشعاعات المرئية الساقطة عليه بالتساوى، وكذلك الجسم الأسود يمتص كل الإشعاعات امتصاصا تاما ولا يعكس منها أى شعاع. فالألوان غير اللونية هى على درجة الصفر من التشبع. والألوان المكملة هى تلك الألوان التى تجعل من بعضها البعض ألوانا محايدة، وإذا مزجت أنتجت لونا أبيض: النيلى/ الأصفر، الأزرق/ البرتقالى، البنفسجى/ الأخضر - الأصفر، الأحمر/ الأزرق - الأخضر. وأخيرا فإن ألوان الطيف السبعة منها ثلاثة فقط -الأزرق، الأصفر، الأحمر- هى الأساسية: إذ تخرج منها باقى الألوان.
دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:
تتميز الصفات المشتقة من الألوان بأنها -فى معظمها- على وزن "أفعل" للمذكر و"فعلاء" للمؤنث، وصيغة أفعل هى الصيغة التفضيلية، وظاهر الأمر أن اشتراك الصفة التفضيلية والصفة اللونية ليس وليد صدفة، فثمة افتراض ينظر إلى الصفة اللونية بوصفها صفة تفضيلية فى مرحلة ما من مراحل تطور اللغة: فالذى نصفه بأنه أحمر، لعله فى