أعظم فلاسفة الإسلام قبل ابن سينا، وهو تركى المنتسب، واسمه محمد بن محمد بن طَرْخان أبو نصر الفارابى. ولد فى وَسيج وهى محلة صغيرة منيعة فى إقليم فاراب (أطرار) فيما وراء النهر. ويقال إن أباه كان قائدًا، وانتقل هو إلى بغداد يدرس على الطبيب النصرانى يوحنا بن حَيْلان، وتعلم صحبة أبى بشر متى النصرانى النسطورى الذى اشتهر بترجمته للكتب اليونانية، ثم التحق ببلاط سيف الدولة الحمدانى صاحب حلب، وعاش فى كنفه عيشة المتصوفة، واصطحبه هذا الأمير فى فتحه مدينة دمشق، وتوفى أبو نصر بها عام ٣٣٩ هـ (٩٥٠ م) بالغًا من العمر ثمانين عامًا.
واشتهر أبو نصر بصفة خاصة بشروحه على مؤلفات أرسطو، وقد أكسبته هذه الشروح لقب "المعلم التانى"، وأرسطوطاليس هو المعلم الأول " فشرح كتب "المقولات" و"العبارة" و"القياس" و"البرهان" و"الجدل" و"المغالطة" و"الخطابة"
و"الشعر"، أى أنه شرح جميع الكتب التى يتألف منها المنطق بأوسع معانيه. وقدم لهذه المجموعة المنطقية بشرح لكتاب "الإيساغوجى" لفرفوريوس.
أما فى الأخلاق فقد شرح كتاب أرسطو فى "الأخلاق إلى نيقوماخوس". وشرح فى علم النفس "كتاب النفس" للإسكندر الأفروديسى. وشرح فى باب العلم "طبيعيات أرسطو" وكتابيه فى "الآثار العلوية" و"السماء والعالم" وكتاب "المَجَسْطِى" لبطلميوس.
ولم تقتصر مؤلفات الفارابى بأية حال على شروح كتب اليونان بل له كثير من الكتب الأصيلة الخاصة. فله فى علم النفس والإلهيات رسائل فى "العقل والمعقول" و"النفس" و"قوى النفس" و"الواحد والوحدة" و"الجوهر" و"الزمان" و"الخلاء" و"المكان" و"المقاييس".
وقد دعا الفارابى إلى رأى يبدو اليوم عجيبًا شاذًا تبرره نزعة فلاسفة المشرق إلى توحيد المذاهب المختلفة. ذلك