ليس القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين مجرد كتاب مقدس عادى، فليست نظرتهم له كنظرة الأوربيين للتوراة والإنجيل، فهو فى الأساس كتاب للتلاوة، ظل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يقرؤه لأتباعه طوال حياته ولمدة تربو على العشرين عاما، وكان بعض الصحابة يحفظونه عن ظهر قلب، وظل القرآن الكريم يُتلى ويحفظ جيلا بعد جيل وحتى الآن، وكان بعض من لا يعرفون القراءة والكتابة يحفظون النص القرآنى ويتلونه، وكان الحفّاظ هم الحكم على النص المكتوب عندما كان القرآن الكريم يُكتب بالحروف الناقصة (الحروف غير المنقوطة وغير المعجمة) وحتى عندما طبع المصحف المصرى الرسمى سنة ١٩٢٠ م كانت القراءات الشفهية هى أساس المراجعة والضبط، وكذلك أحكام القراءات، إذ كان الاعتماد على ذلك أكثر من الاعتماد على المخطوطات الأولى للقرآن الكريم وظلت طائفة الحفاظ والقراء حتى الآن تحظى بأهمية كبرى فى نقل التراث القرآنى جيلا بعد جيل، وظل المسلمون يرددون آيات القرآن الكريم جيلا بعد جيل أثناء الصلوات التى يؤدونها خمس مرات فى اليوم، أو أكثر إذا أضفنا النوافل، فالقرآن الكريم ليس مجرد كلمات محفوظة فى كتاب، ومن هنا يمكننا القول إن أهل الغرب قلما يدركون تماما مدى عمق تأثير القرآن الكريم فى حياة المسلم.
ولعب القرآن الكريم دورا جوهريا فى المناقشات بين المسلمين خلال القرون الأولى وجرى الاستشهاد به والاحتجاج به، وكان أساسا لعقيدة المسلم لفهم فكرة التوحيد، ولما كان اللَّه سبحانه وتعالى قد (أرسل) جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقد كان من الطبيعى أن يعتبر المسلمون القرآن الكريم (كلام اللَّه) لكن فى عهد هارون الرشيد ثارت مشكلة خلق القرآن من عدمه وأيدّ المعتزلة فكرة خلقه زمن المأمون مما نشأ عنه ما عرف فى التاريخ الإسلامى بمحنة خلق القرآن وكان لأخذ المأمون فى ٢١٨ هـ/ ٨٣٣ م بوجهة نظر المعتزلة أبعاد