لا يعد الحديث صحيحًا فى نظر المسلمين إلا إذا تتابعت سلسلة الإسناد من غير انقطاع وكانت تتألف من أفراد يوثق بروايتهم. وتحقيق الإسناد جعل علماء المسلمين يقتلون الأمر بحثًا، ولم يكتفوا بتحقيق أسماء الرجال وأحوالهم لمعرفة الوقت الذى عاشوا فيه وأحوال معاشهم، ومكان وجودهم، ومن منهم كان على معرفة شخصية بالآخر؛ بل فحصوا أيضًا عن قيمة المحدث صدقًا وكذبًا وعن مقدار تحريه للدقة والأمانة فى نقل المتون ليحكموا أى الرواة كان ثقة فى روايته، ويسمى نقد الرجال باسم "الجرح والتعديل" (نظر - Gold Muhamm. stud: ziher جـ ٢, ص ١٤٣ وما بعدها).
ومعرفة الرجال لا بد منها لدرس الحديث، ولهذا تتضمن جميع الشروح لمجموعات الأحاديث تفصيلات مطولة عن الرجال تتفاوت طولا وقصرا. وهناك مؤلفات معينة تقتصر على هذا الموضوع، من بينها ما يسمى بكتب الطبقات وهى تراجم مرتبة فى طبقات، وتتناول سير عدة علماء ورواة للحديث وغيرهم (نظر Ursprung und: O.Loth Bedeutung der Tabakat., Zeitschr. der .Deutsch. Morgenl. Gesellsch جـ ٣٢, ص ٥٩٣ - ٦١٤). نضرب لهذه الكتب مثلا بكتاب الطبقات لابن سعد المتوفى سنة ٢٣٠ هـ (٨٤٤ م)؛ وهو كتاب مشهور؛ و"طبقات الحفاظ" للذهبى المتوفى سنة ٨٤٨ هـ (١٣٤٧ م). ومن هذا النوع أيضًا ما صنف فى الرواة الضعفاء مثل "كتاب الضعفاء" للنسائى (أنظر Goldziher: المصدر نفسه، جـ ٢، ص ١٤١، وما بعدها). وكذلك سير الصحابة مثل كتاب "الإصابة فى تمييز الصحابة" لابن حجر المتوفى سنة ٨٥٢ هـ (١٤٤٨ م) وكتاب "أسد الغابة فى معرفة الصحابة" لابن الأثير المتوفى سنة ٦٢٠ هـ (١٢٣٢ م).
والحكم على قيمة المحدث قد يختلف اختلافًا بينًا، فربما كان ثقة عند قوم، ولكن غيرهم كانوا يعدونه فى منتهى الضعف فى روايته. بل أن الثقة ببعض كبار الصحابة لم تكن من الأمور المسلمة عند الجميع فى أول الأمر.