حين قال:"لما زاد سلطان النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] زادت حياة زوجاته يسرًا ولقبن بأمهات المؤمنين". فمن المحقق أن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] مات ولم يشبع من خبز الشعير وأن نساءه كن يضقن بتلك الحياة المتقشفة، أما تلقيبهن بأمهات المؤمنين فهذا أمر طبيعى إذ كن بمكانة الأمهات حقًا للمؤمنين يتلقين عن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ويلقّن الناس ما تلقين.
واشتط الكاتب مرة أخرى وخالف إجماع المؤرخين حين قال:"وقد وصفت فى الأزمنة المتأخرة بأنها كانت مثالا للتقوى، ولكن ليس من اليسير أن نتبين السند فى هذا القول" والحقيقة التى ذكرها جميع من أرّخوا لعائشة أو تعرضوا لحياتها أن تقواها واستقامتها كانت معروفة مشهورة لا فى الأزمنة المتأخرة بل من أول حياتها حتى لقد قال فيها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". وقال فيها عمر الفاروق:"وما جربنا عليها سوءًا قط"، وكان حديث صلاحها وتقواها وعبادتها يملأ أرجاء المدينة ويسرى فى جميع البلاد الإسلامية منذ زواجها بالنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حتى أتاها اليقين.
محمد كامل البنا
[عائشة بنت طلحة]
من أعظم نساء العرب شهرة، فهى بنت صحابى هو طلحة بن عبيد اللَّه التيمى الذى كان قد نال صيتًا بعيدًا، وحفيدة أبى بكر من ناحية أمها أم كلثوم، وابنة أخت عائشة أحب زوجات النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد جمعت عائشة بين شرف المولد والروح الطاغية والجمال النادر الذى حرصت على أن يكون موضع التفات الناس. وكانت بالفطرة امرأة ذات دلال أغرت شعراء الغزل بمديحها (عمر بن أبى ربيعة، جـ ١، ص ٨٠؛ كثير عزة، انظر ابن قتيبة: الشعر، ص ٣٢٢؛ عروة بن الزبير، انظر الأغانى، جـ ١٠، ص ٦٠)، وعرفت كيف تستغل على أوسع نطاق الانفعالات التى كانت تثيرها فيهم. بل لقد كان من شأنها أن تسببت فى عزل والى مكة الحارث بن خالد المخزومى الذى وافق على أن يؤجل وقت الصلاة حتى تنتهى من طوافها (الأغانى، جـ ٣، ص ١٠٠، ١٠٣، ١١٣؛ وانظر الجاحظ: البغال،