بغداد (حيث توفى سنة ٤٨٨ الموافق ١٠٩٥ م) أن ينجو من الاضطهاد والكره اللذين أثارتهما سرعة بادرة شيخه، وأصبح من أعظم علماء عصره استحقاقًا للإعجاب والثناء.
ويمتدح كاتب سيرته الضبى ثم متممها الذهبي وكذلك المقرى فى أسلوب حار أبا عبد الله ويشيدون به أصوليًا ومحدثًا ومؤرخًا وشاعرًا. على أنه لم يبق لنا من كتبه فيما نعلم إلَّا "جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس وأسماء رواة الحديث وأهل الفقه والأدب وذوى النباهة والشعر"(تحقيق محمد بن تاويت الطنجى، القاهرة سنة ١٩٥٣) ويدل هذا الكتاب على أن أَبا عبد الله كان أعلم بالمحدثين منه بالمؤرخين، ذلك أنه يفسح فراغًا كبيرًا لعلماء مجهولين كانوا زملاءه ثم يمر مر الكرام على مؤرخين ذوى شأن مثل عيسى الرازى وغريب بن سعد، وقد كنا نتوقع من شهرته التى نالها فى التدريس أن يكون كتابه أحسن من ذلك، ولكنه كتبه ليرضى معجبيه فى بغداد الذين كانوا يريدون أن يعرفوا حالة الأدب فى الأندلس، فاكتفى بالاعتماد على ذاكرته دون أن تتاح له المصادر التى كانت خليقة أن تعينه فى كتابة مصنفه، ومن ثم فإنه ما من عجب أن يضم بين دفتيه كثيرًا من الوقائع التى تفتقر إلى الدقة أما فى تأريخه للحوادث فقد اكتفى بالتقريب مما أدى إلى وقوعه فى بعض الاضطراب بل انتهى الأمر به إلى أخطاء فاحشة فى بعض الأحوال. أما عدا ذلك، فالأمر فيه كما يقول دوزى فى نقده الصارم، أننا قد نصفه بالبعد عن الهوى لأنه كان رجلًا أمينًا, ولا نزيد، ذلك أن عقله كان لا يسمو على عقل أوساط الناس.