كان بمصر قبل الفتح الفاطمى، ثلاثة مساجد جامعة، هى جامع عمرو ابن العاص، الذى أسس سنة ٢١ هـ، وسمى فى عهد إزدهاره "تاج الجوامع" ولما تقادم به العهد، سمى الجامع العتيق. ويقع شمالى حصن بابليون الذى كانت تقيم فيه حامية الروم وقت الفتح الإسلامى.
ولما أصبحت مصر خاضعة للخلافة العباسية، بنى واليها الفضل بن صالح فى سنة ١٦٩ هـ مسجد العسكر بجوار دار الإمارة؛ فأصبح هذا المسجد ثانى المساجد الجامعة فى مصر؛ وظل قائمًا فى مكانه حتى تخربت مدينة العسكر، ونقل أنقاضها بدر الجمالى، وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمى، إلى مدينة القاهرة لتعميرها على أثر الثورة التى أذكى نارها الأتراك. ولما استقل أحمد بن طولون بولاية مصر فى سنة ٢٦٣ هـ، بنى مسجده المعروف باسمه على جبل "يشكر" فى الجهة الجنوبية من القاهرة الحالية، والجهة الشمالية من العسكر. ويرجع السبب فى بنائه إلى ضيق مسجد العسكر بالمصلين من أتباع أحمد ابن طولون وجنده، فضلَا عن حرصه على التقريب إلى الله تعالى.
وكانت هذه المساجد الجامعة الثلاثة، تعد رمزاً لسيادة الإسلام الروحية فى مصر، ومنبراً للدين الجديد؛ فجامع عمرو بن العاص كان يمثل ظهور الإسلام فى مصر، وانضواء تلك البلاد تحت الحكم العربى. وقد اتخذ مقراً للقضاء، يجلس به قاضى القضاة يومين كل أسبوع، ويعقد به ديوان الخراج، وتتلى فيه المنشورات، ثم غدا بعد قليل مركزاً لدراسة الدين الإسلامى واللغة العربية. أما جامع العسكر فإن فى إقامته إلى جانب جامع عمرو، أكبر دليل على نجاح الدعوة العباسية فى مصر، وإنضمام تلك البلاد إلى حوزة العباسيين. كذلك الحال فيما يتعلق بجامع أحمد بن طولون؛ فنستطيع أن نقول: إن إقامته بمدينة القطائع ترجع