مما يلفت النظر حقا فى كتابات العلماء الفرنسيين والمتفرنسين ومن فى حكمهم عن الشام أنهم جميعا ينزعون إلى اعتبارها امتدادا طبيعيا لانتشار الشعوب والدول الأوروبية، وبالجملة لكل ما يدخل الشام عن طريق البحر، فمن الطبيعى أن تكون جزءًا من دولة الإسكندر، ومن الطبيعى أن يقوم فيها ملك السلوقيين، ومن الطبيعى أن تتصل أقطار منها بمصر فى أيام البطالمة، ولكن ليس من الطبيعى أن يكون ذلك أيام الطولونيين أو الإخشيديين، ومن الطبيعى جدًا أن تكون الشام ولاية أو ولايات رومانية تتبع رومة أو تتبع القسطنطينية، ومن الطبيعى أن يكون أصل الشام وثنيين أو نصارى. ولكن ليس من الطبيعى أن يكونوا شعبا من شعوب الأمة العربية أو أن يكون منهم مسلمون -ترى هذه النزعة فى عالم من خيار علمائهم- سوفاجية، تقرأ كتابه الممتع عن حلب فى أطوار تاريخها -فهى فى العصر الهلينستى على أتم ما ينبغى لها من التوازن بينها وبين بيئتها- بينما لا يتحقق لها ذلك فى أطوار تاريخها العربى -وألفت النظر لقولى "ما ينبغى لها" فهو يرجع إلى تصور سوفاجية لحالة طبيعية لمدينة حلب- تتحقق فى الاتصال باليونان ولا تتحقق بالاتصال بالعرب.
وترى هذه النزعة على أسوأ ما تكون فى كتابات الأب لامنس -ويعجب بعض قرائه باختصاصه بنى أمية بالتقدير دون الدول العربية والإسلامية الأخرى، ومنهم من ينخدع بذلك فيتوهم الأب لامنس رجلا يتحرى الإنصاف والنزاهة، ويقول إن الرجل قادر على أن يرى حسنات الحاكم العربى وأن يعترف بأن الشام فى طور من أطوار تاريخها العربى نال أهلها من حسن الحال قدرًا يستحق التسجيل.
والواقع أن إنصاف بنى أمية حق -ولكنه حق يرجع إلى باطل ويهدف إلى باطل- يرجع إلى مجرد الرغبة فى معارضة جمهرة المؤرخين الإسلاميين فى تنديدهم ببنى أمية، ويرجع إلى محاولة إثبات أن افضل الأمويين على الشام سببه ما زعمه من أن سياستهم قليلة التأثر بالاعتبارات الدينية، وأنها ما هى إلا امتداد لسياسة تجار قريش