فى وقت واحد؟ هل يستطيع المرء أن يرى اللون وحده لا الشئ الملون به؟ لقد تباينت وجهات النظر بشأن هذه الأسئلة. فالنظَّام يرى أن اللون والشكل والنكهة والطعم. . . إلخ لا تدرك بالحواس إلا من خلال فتحات من نوع ما لكى تتأثر الحواس. والحواس ما هى إلا أجسام مسامية. ويفيض الفيض لجسم المدرك حسيا ليتخلل فتحات الحواس، ويصل بذلك إلى وعى الكائن الذى يحس بها. وقد تحدث العلّاف (توفى بعد ٢٢٦ هـ/ ٨٤٠ م) عن وجود تدخل إلهى فى عملية وعى الإنسان بالأشياء المحسوسة. ولكن معمّر يرى أن إدراك الأشياء المحسوسة بمثابة فعل طبيعى من أفعال الحواس وفعل مولّد يخلو من أى مبادأة إلهية.
[اللون فى رأى الفلاسفة]
كان الكندى (توفى حوالى ٢٥٩ هـ/ ٨٧٣ م) -فيلسوف العرب- يرى أن اللون "عَرَض عام لأنه يؤثر على أشياء عديدة". إنه عَرَض تدركه حاسة هى أول "الحسَّين الشريفين" البصر والسمع. وكما أن العقل الفعّال يحقق الممكن، فكذلك الضوء الذى يسقط على الأشياء المعتمة يحول الألوان من موجودة بالقوة إلى ألوان موجودة بالفعل. فالجسم الشفاف حقيقة لا لون له لأنه ناقل للون الأشياء التى توضع خلفه. ومن العناصر الأربعة التى يتكون منها العالم نجد أن الأرض وحدها هى العنصر غير الشفاف، وبالتالى فهو حامل اللون فى عالم ما تحت القمر. ولكى يتأثر شئ ما بالضوء، ويصبح بالتالى حاملا للون لابد له أن يعترض الأشعة المرئية. والألوان التى نعتقد أننا ندركها حسيا فى النار هى فى الحقيقة ألوان الجزئيات الأرضية وقد اختلطت بالنار. فالنار -شأنها شأن الهواء والماء- لا لون لها على الإطلاق. وفى نفس الوقت توهمنا حواسنا أن السماء ما هو إلا اصطناع: إنه لون الجزئيات الأرضية والمتطايرة التى يحفل بها الهواء.
والفارابى (توفى ٣٣٩ هـ/ ٩٥٠ م) كان بدوره مهتما بالألوان. ويقول إن الألوان تحدث على سطح الأجسام تحت