للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشيرازى]

صدر الدين المتوفى سنة ١٦٤٠ م: أحد الكبار المجهولين فى تاريخ العقل الإنسانى. وقد وجد فى غمرة الظروف التى أحاطت بحياته العلمية المتواضعة البائسة، الوقت والقوة لإقامة صرح مذهبه فى العالم، ولتنظيم وبسط جملة العلوم المعروفة فى زمانه وذلك وفقا لوجهات نظر جديدة. واستطاع أن يحل على وجه فيه طرافة وابتكار المشكلات الكبرى التى أسلمتها الفلسفة القديمة لعصره. ومذهبه فى العالم مذهب فى الوجود، فالأشياء التى لها وجود واقعى فى العالم والتى تحيط بنا، هى "أفراد جزئية للوجود". شبيهة بأجزاء لوجود لامتناه، وصادرة عن اللَّه مصدر النور كأنها أشعة منفصلة، وبناء على هذا المبحث يتصور الشيرازى كل مراتب الحقيقة الوجودية على وجه جديد: فما نأخذه من الأشياء على أنه "ماهية"، إنما هو تعين الأشعة المنفصلة "للوجود"، وما ندركه فى الأشياء على أنه "وجود"، إنما هو الوجود الفعلى لهذه الأشعة عينها. وعلى هذا النحو أصبح لدينا حل جديد، لتلك المشكلة الكبرى التى وجدت منذ زمان بعيد، وهى مشكلة "الماهية والوجود"، فقد نظر إلى الماهية والوجود"، على أنهما وجهتان مختلفتان للنظر، أو على أنهما وجهان مختلفان للحقيقة الوجودية الميتافيزيقية الواحدة.

ولقد كانت الفكرة القائلة بانتقال النفوس حية فى عصر الشيرازى الذى تحولت على يديه هذه الفكرة على وجه يلائم فلسفته الميتافيزيقية فى الوجود: فالنفس الإنسانية بما لها من روحانية ترقى إلى مرتبة من صور الوجود أعلى وإلى التشبه باللَّه، وإلى الاتصال باللَّه. ومبدأ هذا الترقى إنما يكون إذن فى العرفان الذى هو أرقى صور المعرفة. والذى بفعل ما يشتمل عليه يمحو من الإنسان نقائص الوجود وأخطاءه، ومن ثم يغمره بفيض من الكمال. فمعرفة عقولنا هى فعل من شأنه أن يكسب هذه العقول بتأثير العقل الفعال ماهية تجعلها قريبة من ماهية اللَّه الخلاقة. وليس اللَّه هو الوجود القديم فحسب، وإنما هو مركز القيم أيضا، وانعكاسات هذه القيم القديمة هى الأشياء المخلوقة،