"الإيجى" و"الجرجانى") يعلون قدر الكلام للغاية لدرجة وصفهم له بأنه أمجد العلوم من حيث كونه "يبرهن" على الحقائق التى هى من مقتضيات الإيمان، ويذهب البعض منهم إلى اعتباره فرض عين على كل مسلم قادر على استيعابه. . وهذا التقييم مكرر بنصه الحرفى فى مصنفات أهل الجمود الفكرى. فالباجورى مثلا فى مصنفه "حاشية على جوهرة التوحيد" يذهب إلى أن الإيمان عن طريق التقليد يفقد كل قيمة إذا ما قورن بالإيمان الراسخ عن علم، على النحو الذى يمكن أن يوفره الكلام.
[ب- المعارضة]
كان للكلام على مدار تاريخه فئتان كبيرتان من المعارضين، فمن جهة نجد الحنابلة والظاهرية الذين رفضوا أى تناول للحقائق الإيمانية من خلال الحجج المنطقية؛ ومن جهة أخرى نجد الفلاسفة الذين انتقلوا من المعارضة الصامتة -بل الخفية فى واقع الأمر- التى عرف بها الفلاسفة المشرقيون، إلى أعنف الهجمات التى عرف بها "ابن رشد". . ثم ما لبث الفلاسفة أنفسهم أن تعرضوا لهجمات المتكلمين.
[(أ) المعارضة الحنبلية]
واكب العصر العظيم للكلام المعتزلى عهد المأمون، فقيه سَما إلى منزلة المذهب الرسمى للدولة؛ فذلك هو الوقت الذى فرض فيه مبدأ "مخلوقية القرآن" بتأثير النفوذ العلمانى، وتعرَّض أنصار "لا مخلوقية القرآن" للاضطهاد وصدور الأحكام عليهم من المحاكم، حتى أن "ابن حنبل" نفسه تعرض للاتهام والجلد، وقد أطلق على تلك الفترة فيما بعد اسم "المحنة". وقد حدا رد الفعل الحادث فى عهد المتوكل بالمذهب السنى إلى توجيه ضربة حاسمة إلى المعتزلة، وسيقوا هم بدورهم للمثول أمام القضاة وأفنيت أعمالهم. وتلك الحركة التاريخية -التى يمكن أن نطلق عليها "انبعاث الإسلام السنى فى القرن ١٢ م" والتى ظلت أول أمرها تحت نفوذ السلف الصالح- كانت ترفض أى إعمال للعقل أو للطريقة الجدلية فى إثبات الأمور المتعلقة بالعقيدة.
ومن الثابت أن الإصلاح الأشعرى أبدى احترامه أول الأمر لابن حنبل، لكنه أيضا سعى إلى قهر المعتزلة والى الرد عليهم بأساليبهم، كما كان لديه