تاشفين وولده على لا يتخذ قرارًا إلّا وتصحبه فتوى بإجازته، وقد أدّت هذه المسائل إلى استفحال شأن الفقهاء وتطلعوا للاستحواذ على السلطة والثروة، وكانت الحركة الإصلاحية فى بادئ الأمر قد جنحت إلى تخفيف عبء الضرائب التى أصبحت تجارى ما يقضى به الشرع. وجاءت فترة -لم تكن بالطويلة- ظهر الوفاق على أتم صوره بين الأندلس والمرابطين، وبين يوسف بن تاشفين وملوك الطوائف، حتى أنه لما ذاع خبر النصر فى الزلاقة قام الأمير الزيرى عبد اللَّه وأمر بدق الطبول وتسيير المواكب احتفاءً بهذه المناسبة.
٢ - سقوط المرابطين: كانت كل هذه الانتصارات حقيقة ثابتة لكنها كانت انتصارات مؤقتة، وكان المرابطون حريصين على أن يكونوا فوق المؤاخذة، وإن لهم من القوة والفعالية ما يمكنهم من احتواء الضغط النصرانى الذى أخذ فى الزيادة، وإذ كان يعوزهم المعونة الأندلسية واستخدام قوات جديدة من المرتزقة فقد وجهوا همتهم لإقامة نظام دفاعى قوى، إلا أن ترميم الحصون وإقامة حصون أخرى جديدة وتزويدها بما يساعدها على أداء مهمتها والنفقة على من بها من المدافعين. . . كل ذلك تطلب أموالًا طائلة تفوق ما يمكن أن تجمعه الدولة من الضرائب الشرعية، وقد أدى هذا إلى فقدان الفقهاء لاستقلالهم وزلزل من هيبتهم ونظرة الناس المعنوية إليهم إذ لم يعودوا لسان العامة والمترجمين عن آمالها وأغراضها، ومن ثم نسمع عن "حب المرابطين فى المال" وظهر من جديد شتى أنواع "المعاونين والوظائف واللوازم ومغارم السلطان"، وترتب على ذلك أن عم الفساد وأصبحت معايب السلطة طابعًا عامًا، على أن أشد المعايب كان ما أتصف به القادة من عدم القدرة على تنظيم قواتهم حتى أمكن لقوات دونهم حجما أن تحرز النصر عليهم فى سهولة ويسر ويتكلم المراكشى عن ظهور قطاع الطرق واللصوص والسوقة والسكارى والخلعاء، ووجد الكثيرون من هؤلاء من يحميهم ممثلين فى كبار نساء لمتونة ومسوفة على حين أن "أمير المسلمين عاكف على نسكه