٣ - فى مصر وفى بلاد الهلال الخصيب (سوريا ولبنان والأردن والعراق) ظهر اتساع نظام الإدارة ونطاق الحكومة ومهامها أى السلطة الزمنية للدولة بصفة عامة) فى عصر المماليك والعثمانيين. وكان التفكك السياسى والعسكرى للمملكة قد أصبح حقيقة قبل سقوط الإمبراطورية الإسلامية وتخريب بغداد على يد المغول سنة ٦٥٦ هـ (١٢٥٨ م) بوقت طويل. وهكذا لم يجرد الخليفة، وإمام الجماعة، من سلطته الدنيوية فحسب، بل انتقص أيضًا من سلطته الروحية حتى تقلصت فى الحق تمامًا. فقد أرسى ولاة الأقاليم فى مصر وسوريا على سبيل المثال، دعائم حكوماتهم المستقلة إستقلالًا ذاتيًا، وأقاموا أسرًا حاكمة فى كثير من الأحيان وأصبحت الحكومة فى الأراضى الإسلامية ملكية بسيطة، الكلمة العليا فيها للحاكم القوى. وكانت الحكومة غالبًا مستبدة قاسية، وكثر فى كل مكان الحكام الذين يستطيعون أن يسبغوا الشرعية على حكمهم بالقوة الغاشمة. وفى الهلال الخصيب، أدت الاختلافات الطائفية التقليدية العرقية والقبلية إلى أن تقوم مرة أخرى الأسس الحقيقية للحكومة والسياسة.
ويرتبط قيام الحكومة الدنيوية الحديثة والإدارة فى مصر بحكم محمد على الكبير (١٨٠٥ - ١٨٤٩). فقد أسس دولة حديثة مستقلة استقلالًا ذاتيًا هو وورثته من بعده. فبالإضافة إلى تكوين جيش قوى حديث على الطراز الأوروبى، أقام محمد على إدارة مركزية تحكمت وراقبت عن كثب شئون الدولة. واستعار محمد على من أوروبا فكرتين أساسيتين جديدتين، وبالنسبة لمصر طبق أفكارًا مبتكرة هى: أصول الإدارة الدنيوية الرشيدة ومهام الحكومة الواسعة وسلطاتها التنظيمية. وقد امتدت هذه السلطات لتشمل كل مظهر من مظاهر الحياة العامة: الزراعة والتجارة والداخلية والخارجية والصناعة والتعليم. وتركت الأحوال الشخصية فحسب لحكم الشريعة والمحاكم الشرعية، وحتى هذا المجال من مجالات الحياة كان يخضع لرقابة حكومية مباشرة فى ظل سياسة محمد على المركزية. وهكذا كانت هناك بعد