نحب أن ننبه القارئ إلى ما أشار إليه كاتب المادة على سبيل الإيجاز فى آخر مقاله، وهو مراتب الطهارة. على أنه لما كان الإنسان فى هذه الدنيا مركبا من بدن وروح، فإن الطهارة تنقسم بوجه عام إلى طهارة الظاهر وطهارة الباطن. ونظافة الظاهر، أعنى نظافة البدن عن إدراك ووعى وقصد، هى شئ تقتضيه الإنسانية من حيث هى، لكن طهارة البدن كما رسمها الشرع إلى جانب التأكيد لمعنى النظافة تتضمن معانى أخرى أعظم شأنًا.
فلما كان الإنسان فى حقيقته هو الروح، وكان بسبب البدن يتصف بالصفات الحيوانية من طعام وشراب وما يترتب عليهما، ويخضع لملابسة الشهوات، فإن تطهر الإنسان الذى هو الروح من لواحق الحياة البدنية ضرورى, وخصوصًا أن البدن الإنسانى ليس مجرد جسم مادى وإنما هو جسم تبنيه الروح لنفسها وتتعهده وتختص به وتباشر به وظائفها الدنيوية، فإذا باشرت به أعمالا غير روحانية فإنها تطهره من آثار تلك الأعمال، وتكون الطهارة على قدر ملابسة الروح للأعمال الحيوانية، فهناك طهارة من آثار وظائف حيوانية جزئية وهناك طهارة من آثار وظائف حيوانية ينغمس فيها الإنسان بكليته. وهذا هو أساس التفرقة بين ما يسمى "الحدث الأصغر" و"الحدث الأكبر". والطهارة من الأول تكون بالوضوء أو ما يقوم مقامه، ومن الثانى بالغسل أو ما يقوم مقامه.
والطهارة فى الحالين يجب أن تقترن بنية التطهير بمعنييه وبإرادة التطهر كعمل روحى باطن ولا يكمل التطهر إلا بناحيتيه. فمما لاشك فيه أن طهارة الظاهر بحسب شروطها الشرعية، وخصوصًا بحسب النية، عامل يساعد على طهارة الباطن، وأن إرادة التطهر من حيث هى عمل روحى من أكبر العوامل على صون الجوارح مما يشوب الطهارة الروحية.
وهناك أحكام كثيرة للطهارة تتعلق بكيفيتها من شتى نواحيها المطلوبة شرعا، والمطلوبة من ناحية حسن المظهر