قد تدل كلمة "الحرب" على "القتال" بالمعنى المادى، أو على "حالة الحرب" بين جماعتين أو أكثر، والمعنيان قد استعملا فى النظام الشرعى لجزيرة العرب أيام الجاهلية. ولم تكن فى الجاهلية سلطة منظمة، ومن ثم أصبحت الحرب أساسا للعلاقة بين القبيلة والقبيلة، وكان السلام لا يسود إلا إذا اتفقت عليه قبيلة أو قبيلتان. زد على ذلك أن الحرب كانت تؤدى أغراضا من قبيل الثأر ومقابلة المثل بالمثل. والصحراء المهيأة للغارات والتى لا حدود لها جعلت من الحرب والقتال اللذين اعتادهما العرب وظيفة من وظائف المجتمع.
وقد حرَّم الإسلام أن يسفك المسلم دم أخيه، كما حّرم جميع أنواع الحرب إلا "الجهاد"، وإنما الحرب المشروعة هى الحرب التى تستهدف فى غايتها غرضا دينيا هو فرض الشريعة أو الوقوف فى سبيل الخروج عليها. وما من صورة أخرى من صور الحرب جائزة فى نطاق الدولة الإسلامية أو خارجها.
ومن هنا حرم الإسلام الحرب التى تدور بين القبائل العربية، لأن هذه الحروب كانت تعد ممعنة فى الخروج على الدين مسرفة فى الوحشية تثيرها المصالح الدنيوية، ولا يجيز الإسلام من الحروب الا ما يحقق غرضا دينيا. ولذلك لم يكن هناك إلا حرب واحدة مشروعة هى "الجهاد" الذى يعلن لتوسيع رقعة المنطقة التى تسود فيها الشريعة الإسلامية والتمكين لها.
والحرب، كما فى القانون الفتيالى (١)، يجب أن تعلن وتتابع حتى النهاية وفقا لقواعد مقررة. ففى المحل الأول، يجب أن يفرّق بين الحرب بمعنى القتال، وبين الفروض الدينية الأخرى مثل الصلاة والصوم، ذلك أن هذه الفروض فردية. أما الحرب ففرض
(١) القانون الفتيالى نسبة إلى الفتيال وهو مجلس كهنوتى رومانى قديم كان يختص بإعلان الحرب ويباشر المفاوضات السياسية.