للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الجاهلية]

هو الاسم الذي يطلق على ما كانت عليه جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام، أو بعبارة أخص الاسم الذي يطلق على الفترة التي خلت من الرسل بين عيسى ومحمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وهي اسم جمع من جاهلى (١)، وهو العربي الوثنى وبخاصة شاعر الطبقة الأولى من الطبقات الزمنية الأربع، ويعرف الذي يليه بالمخضرم، أي الذي عاش في الجاهلية وأدركه الإسلام.

أما من حيث المعنى الدقيق لكلمة "جاهلية" فالرأى الشائع هو ما ذهب إليه ميخاليس G.D. Michaelis وغيره من أنها "زمن الجهل" وهو عين ما نعتت به الأزمنة السابقة للنصرانية في الفقرة ٣٠ من الإصحاح السابع عشر من سفر أعمال الرسل. أما الإسلام فهو زمن النور والمعرفة. وجهل ضد علم، وردت بهذا المعنى كثيرًا في اللغةَ القديمة، وردت أكثر في الأزمنة الحديثة. من ذلك قول عنترة في معلقته: "إن كنت جاهلة بما لم تعلمى". على أن كولدتسيهر يرى أن هذا المعنى ثانوى، وأن جهل، معناها الأول ضد "حَلُمَ" لا "عَلِمَ" فمعناها إذن: قسا، خَشئنَ، غلظ، وهو يستشهد بأبيات ترد فيها مشتقات هاتين المادتين متقابلتين، مثال ذلك قول الشنفرَى: لامية العرب (٥، ٥٣) "ولا تزدهى الأجهال حلمى". واستخلص من ذلك أن الجاهلية هي الهمجية (٢) , Muhammedanische Studien, ج ١، ص ٢١٩ وما بعدها). وقد وردت اللفظة في القرآن في سورة آل عمران،


(١) هذا غير صحيح في قواعد اللغة. فالجاهلية على صيغة النسبة لأسم الفاعل "جاهل". وأما "جاهلى" فإنه مفرد منسوب إليها على قاعدة النسب المعروفة بحذف تاء التأنيث والياء المشددة بعد أكثر من حرفين. انظر همع الهوامع للسيوطى جـ ٢، ص ١٩٢ - ١٩٤.
أحمد محمد شاكر
(٢) ليس هذا المعنى دقيقا للكلمة، بل المعنى الدقيق أنها هي العنف والحدة والغلو في تقدير الأمور، كما كان العرب يفعلون، يغلون في الكرم حتى يكون سفها أو سرفا، ويغلون في الحفاظ والثار حتى يكون عدوانا، ويغلون في الشجاعة حتى تكون تهورًا، وهكذا، والقصد هو السبيل السوى في كل شيء، وهو الذي جاه به الإسلام. ومن مثل ما يؤيد هذا المعنى للكلمة الحديث النبوى: "ومن استجهل مؤمنا فعليه إثمه" قال ابن الأثير: أي من حمل على شيء ليس من حقه فيغضبه فإنما إثمه على من أحوجه إلى ذلك".