وفى هذا كله لا يزال يبنى على ما سبق ذكره من المنطق المدخول فى اللغويات والأدبيات، فمع أن كلمة صلاة موجودة فى الآثار الأدبية قبل الإسلام، لو سلمنا جدلا للكاتب بأنها لم تكن موجودة، وإنما دخلت الحياة العربية قبيل الإسلام فليس فرد، هو محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أو سواه، هو الذى يتولى هذا النقل لأنكم أنتم الذين تقولون: إن الظواهر اللغوية اجتماعية، لا تنسب لشخص ولا لعصر، بل لا تنسب لجمع؛ فكيف تقولون بعد ذلك: إن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى اتخذ كلمة صلاة. . وإن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى نقل كلمة صلاة. . إلخ!
إن هذا القول يبطله المنهج اللغوى والاجتماعى الخاص -على ما رأينا- كما يبطله المنهج العلمى العام؛ لأن قائله لا يملك أى دليل على أن هذا من عمل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وهو يتناسى احتمالا سيظل موجود، ما دام العلم لم يثبت بطلان الأسلوب الدينى، والوحى الدينى. . وما دام هذا فى الحساب وليس محمد عليه الصلاة والسلام هو الذى اتخذ الشعيرة، من اليهود والمسيحيين فى بلاد العرب؛ وليس محمد هو الذى نقل كلمة صلاة بهذا المعنى من جيرانه. . وليس محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى احتكم فى هذه الشعيرة -إلخ. ما هو تتمة وبقية لتلك الدعاوى من أن محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو الذى فعل. . لأن المقرر الذى لم يبطل بعد هو: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، فما لكم عرفتم الرسالات الدينية، ثم رحتم تنكرون أن الإسلام منها بدافع عصبية اعتقادية -لا غير، مع أنه هو الداعى إلى وحدة التدين. .!
[(د) تشابه الأديان]
وهى كذلك من أنغامهم القديمة التى عرض لها التعليق على هذه الدائرة، ولعله لم يبق جديد من القول فيها؛ وأن وحدة الأديان، التى كان الإسلام بترتيبه الزمنى داعيا واضح الدعوة إليها فى إعلان أنه أنزل إلى النبيين من قبله، وأوحى إليه كما أوحى إلى من قبله؛ وأنه مصدق لما بين يديه؛ ولا مكان مع ذلك للقول بأن هذا قد أخذ من ذاك، أو هذه قد شابهت تلك؛ لأن الكل فى بيان القرآن واحد المصدر، واحد الغاية؛ وفى ضوء هذا الأصل الواضح المسلم تقرأ فى مادة صلاة ما يلى: