الأصيلى، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت، وذلك بحضرة سيبويه وقته الإِمام جمال الدين بن مالك بدمشق سنة ست وسبعين وستمائة، وقد بالغ رحمه الله في ضبط ألفاظ الصحيح جامعا فيه روايات من ذكرناه راقما عليه ما يدل على مراده. ولقد أبدع فيما رقم، وأتقن فيما حرر وأحكم، ولقد عول الناس عليه في روايات الجامع لمزيد اعتنائه وضبطه ومقابلته على الأصول المذكورة وكثرة ممارسته له حتى أن الحافظ شمس الدين الذهبي حكى عنه أنه قابله في سنة واحدة إحدى عشرة مرة.
ولكونه ممن وصف بالمعرفة الكثيرة والحفظ التام للمتون والأسانيد كان الجمال بن مالك لما حضر عند المقابلة المذكورة إذا مر في الألفاظ ما يتراءى أنه مخالف لقوانين العربية، قال للشرف اليونينى:"هل الرواية فيه كذلك؟ " فإن أجاب بأنه منها شرع ابن مالك في توجيهها حسب إمكانه.
[نبأ وفاته]
ولما رجع إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهلها حتى لم يبق مذكور. ونثر عليه الدراهم والدنانير، وبقى مدة يحدثهم، فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الذهلى نائب الخلافة العباسية يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدثهم به في قصره، فامتنع البخاري من ذلك وقال لرسوله:"قل له أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضر إلى مسجدى أو دارى. فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعنى من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أنى لا أكتم العلم".
فحصلت بينهما وحشة. فأمره الأمير بالخروج عن البلد فدعا عليه وكان مجاب الدعوة فلم يأت شهر حتى ورد أمر الخلافة بأن ينادَى على خالد في البلد، فنودى على خالد على أتان، وحُبس إلى أن مات، ولم يبق أحد ممن ساعده إلَّا ابتلى ببلاء شديد.
ولما خرج البخاري من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم فسار إليهم، فلما كان بخرتنك وهو على