ضده وهذا يعنى أنه يناقض محاسن كذا بعكسها، دون أن يتيح للقارئ أن يستنتج ما إذا كان سيجد تحت عنوان "ضده" ذما للموضوع الذى امتدحه تحت عنوان "محاسن" أى جوانب الحسن، والقبح فى الموضوع, أم سيجد موضوعًا نقيضًا لذلك الذى امتدحه (مدح الحسن والصحيح/ وذم السئ والخطأ). فمن الصعب فى هذا المثال "محاسن الوفاء/ ضده" أن نقول هل يعنى "مدح الوفاء/ ذم الوفاء" أم "مدح الوفاء/ وذم الخيانة" وهذه بلبلة تنشأ من غموض الضمير (هاء) وإلى أى شئ يعود هذا الضمير -ولا تنسى نسبة هذا الكتاب للجاحظ بهدف إشعار القارئ بأنه أمام منهج الجاحظ الذى يعتمد على مدح وذم كل فكرة، وأنه لا يوجد هنا غير لعبة أدبية بسيطة، ويبدو أن هذا هو مفهوم المؤلف لهذا المنهج.
[الثعالبى وفن المحاسن والأضداد]
ومرة أخرى يظهر هذا الاهتمام بهذا الجنس من الأدب فى أعمال واحد من أغزر المؤلفين إنتاجا فى القرن الخامس الهجرى، الحادى عشر الميلادى ألا وهو الثعالبى، الذى عاش فى عصر تشكلت فيه الثقافة العربية بالنثر المسموع وبالبحث المنهجى عن الشكل والبراعة الفنية؛ كما عاش فى وسط كان اهتمامه الوحيد أن يبتدع أشكالًا وصنيعًا متناغمة للتعبير عن كل فكرة. وقد وجد الثعالبى فى منهج الجاحظ أفضل الصيغ لتوفير احتياجات الكاتب والأديب فى عصره.
وبهذا الهدف يتناول الثعالبى فى كتابيه المتماثلين "الظرائف واللطائف فى الأضداد" و"يواقيت فى بعض المواقيت فى مدح كل شئ وذمه" (وقد جمعهما من يسمى "أحمد بن عبد الرازق المقدسى" فى طبعة واحدة نشرت عدة مرات فى بغداد والقاهرة. وطبعة القاهرة (١٣٢٤ هـ/ ١٩٠٦ - ١٩٠٧ م) هى التى نعتمد عليها هنا) يتناول كلا من الموضوعات الثمانين التى تناقش فى فصل ينقسم إلى قسمين:
مدح. . / ذم. . وفى الجزء الأول يقدم شواهد رائعة فى مدح الموضوع، وفى الثانى يقدم شواهد ذم الموضوع (مثال