للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع ذلك -وكما رأينا- فإن البيهقى لم يطبق فى أغلب الحالات نهج الجاحظ الذى يتضمن مدح أو لوم (ذم) أى شئ أو أى موضوع من نوع ما؛ فهو يحرّفه عندما يبدو أن هذا النهج يضر باتجاهاته العقائدية مستخدما مصطلحات المحاسن والمساوئ كوسيلة للإعلان مقدما -فى عناوين الفصول- عن مشاعره وموقفه تجاه الموضوعات محل المناقشة.

ونأتى للمعايير التى تحكم اختياره للموضوعات وتملى عليه المواقف التى يتخذها وهى: مبادئه السياسية الدينية ومبادئه الأخلاقية والميول الاجتماعية الثقافية والأدبية والتى اتخذت شكلًا محددًا على يد الجاحظ وابن قتيبة فى أدب القرن الثالث الهجرى، التاسع الميلادى، والذى تعتبر كتبه مصادره الأولى.

ويؤيد مؤلف "المحاسن والمساوئ" فكره وأحكامه -التى يعبر عنها مقدمًا فى العناوين التى يختارها للفصول- بشذرات مختارة من الأدب تتمثل فى مقتطفات من النثر والشعر والنوادر والحكايات الطويلة والتقاليد (محاسن الأخبار وظرائف الآثار -كما يطلق هو نفسه عليها). . وباستثناء العناوين التى هى وحدها الانعكاس لتفكيره، لا يوجد أى تدخل شخصى منه فى النص.

وتجدر الإشارة إلى كتاب آخر هو المحاسن والأضداد "الكاتب مجهول غير معروف يبدو أنه كان يعرف الجاحظ. . وهذا الكاتب هو أول من حاكى البيهقى، إذ نقل عنه جزءًا كبيرًا من عمله. والجزء الأول من المحاسن والأضداد موجود فى كتاب البيهقى، ولكن بشكل أكثر اكتمالا ودقة. . ولكن هذا الكاتب المجهول لا ينقل شيئًا من الفصول التى تتعلق بالموضوعات السياسية الدينية التى تعكس ميول البيهقى ونزعاته. أما التعديلات التى أدخلها على الفصول والفقرات المنتحلة فتوضح أنه لم يفهم تمامًا المنهج الذى اتبعه هذا المؤلف، وأن نهج الجاحظ بطرح الثناء وإلقاء اللوم هو الذى أغراه.

وقد استبدل "بالمساوئ" كلمة "ضده" (أى العكس) فهو يقول محاسن كذا