معتدلًا (من الزيديين)، ووصل فى السلم الاجتماعى إلى أن أصبح من ندماء الملوك، مما جعله عرضة لهجاء الشاعر ابن الرومى؛ والأفكار والموضوعات التى يناقشها هذا الكتاب تتشابه مع تلك الموجودة فى كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة مع استثناء واحد وهو الاتجاهات السياسية الدينية الموجودة فى الجزء الأول - والذى يجعل للكتاب مكانة فريدة ويميزه عن الأعمال الأخرى فى "الأدب"، هو منهجه الدقيق الذى يعالج به الموضوعات, وكذلك طريقته فى الكشف عن مشاعره تجاهها. فهو يقسم كل باب إلى قسمين متعارضين كأن يقول "محاسن كذا""ومساوئ كذا"، مثل "محاسن الفقر" و"مساوئ الفقر". . ولا تقتصر مصطلحات المحاسن والمساوئ على مفهوم واحد أو دلالة واحدة فهى تعنى المنافع والأخطاء، والحَسن والقبيح، والثناء والذم، والإيجابى والفاضل والطيب، وكل الصفات التى يمكن امتداحها وأيضًا السلبى والشرير والحقير وهكذا.
ويفسر البيهقى الدوافع التى جعلته يعطى كتابه هذا العنوان فيقول لقد سميته بهذا الاسم لأن أقصى اهتمامات العالم، منذ بدايته حتى نهايته يكمن فى تعايش الطيب (الخير) والسئ والمؤذى والمفيد والمحبوب والمكروه. فإذا بقى القبيح (أو الشر) وحده فنيت المخلوقات إذ سيقضى كل منها على الآخر، وإذا لم يكن هناك غير الحسن أو الخير، فسوف يختفى الآلم ولا يكون للتفكير العقلى آية قيمة.
وهذا التفسير ليس غير استهلال الرسالة الفلسفية التى قدمها الجاحظ فى كتاب الحيوان ردا على العائب (موجه الاتهام). . وبالرغم من أن البيهقى ينقل فقط السطور القليلة الأولى، وينأى بنفسه عن هدفه (أى كتاب الحيوان) العقدى إلا أنه بذلك يثبت أن ما حفزه وألهمه هما كتاب الحيوان، والتبرير الذى قدمه الجاحظ للجدل. والحق أن كتاب البيهقى يمثل المرحلة التى ظهر فيها أدب المحاسن والمساوئ كلون أدبى مستقل.