ونعت الأفراد وغير ذلك فى عبارات مسجوعة جروا على أن يعزوها إلى أعراب مجهولين، ولعل هذه المقطوعات كانت فى الغالب من ابتداع اللغويين يستعينون بها على شرح الكثير من الكلمات الغامضة التى لم يكن من اليسير أن ينتظمها شعر موضوع يخضع لوزن.
وعلى اية حال فقد جنح إلى هذا الأسلوب الشعرى فى أزمنة مبكرة، وبلغ مبلغه من الذيوع فى أدب المقامات لبديع الزمان والحريرى وأضرابهما. ولسوء الحظ فإن هذا الأسلوب وجد سبيله إلى الرسائل. فعلى حين كانت الرسائل الأولى خاصها وعامها خالية من السجع خلوًا غريبا، إذا هى مع تقدم الزمن تتسع للسجع اتساعًا أصبح معه خاصها وعامها مميزًا بمقدار ما يحوى من عبارات مسجوعة لا تحمل غير معان قليلة.
وقد اصبح السجع أعلى مراتب الكتابة للوزير الكاتب، وكان هذا النوع من الأسلوب يسمى "الممزوج" وإن كان الأمر فيه لم يختلف عما كان عليه. وغلب السجع على كثير من فروع الأدب، ولم يسلم منه حتى التواريخ الإخبارية، فقد تميز منها تواريخ باللغة العربية مثل تاريخ اليمينى وكتابات عماد الدين، وأخرى بالفارسية مثل تاريخ وصاف. وقد ضحى الكُتاب فى الحالين بكل شئ فى سبيل تلك السجعات الرنانة.
وهذا الإفراط فى السجع قد يرجع إلى فساد ذوق الفرس الذين كانت لهم الكثرة من الرسائل العربية منذ العهد العباسى. ويبدو أن هذا الداء أخذ ينتشر رويدًا رويدًا نحو الغرب، وكان من الأسباب الكبرى التى حالت بين الذوق الأوروبى واستساغة كثير من الآثار الإسلامية سواء العربية منها أو الفارسية أو التركية أو أى آثار أخرى كتبت بغير ذلك من اللغات التى خضعت لسلطان المسلمين.