الكتاب إلى البيان القائم على منهج ما من التطبيق الفنى، لشاهد واضح على أن صاعدا لم يقصد بحال إلى تأليف بحث عميق على طريقة المتخصصين، وإنما قصر همه على تأليف كتاب بسيط لجمهور القارئين. ومن المؤسف أن كتاب طبقات الأمم لم يلبث أن فقد فى نظر الناس الصفة التى أضفاها عليه كاتبه. وهذا الكتاب الذى كان ينظر إليه الناس من قبل نظرتهم إلى مختصر فى تاريخ العلوم، سرعان ما عد كتابا من الأمهات يتعمق جميع فروع المعرفة الإنسانية، بل سرعان ما عدل عن اعتباره مجرد تصنيف، ونظر إليه على اعتبار أنه مرجع من الأصول فى المعرفة، وهو أمر أخطر. وقد أخذ كتاب العرب الذين كتبوا فى تاريخ العلوم فى القرن الثالث عشر الميلادى هذا الخطأ قضية مسلمة، فابن القفطى قد نقل الكثير من كتاب طبقات الأمم حتى ليحق لنا القول بأن نقدر ما نقله بما يعادل ربع كتابه تاريخ الحكماء، بل إن ابن أبى أصيبعة فى كتابه العظيم "عيون الأنباء فى طبقات الأطباء" قد ضمنه عدة تراجم للأطباء نقل نصوصها من كتاب القاضى صاعد. ونذكر أخيرا أن الكاتب النصرانى ابن العبرى قد احتذى صاعدا فى تقسيمه الأمم إلى أنصار للعلم وأعداء له، وفى إلمامه العام بكل أمة من هذه الأمم وذلك فى كتابه "مختصر الدول".