من البلاد الإسلامية. وظلت مصر في الوقت نفسه قصبة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، وأخذ سكانها يزدادون زيادة مطردة سريعة حتى بلغوا الآن نصف سكان الأقطار التي تتكلم اللغة العربية (انظر Massignon في R. M. M، جـ ٥٧، ص ٧٥. وما بعدها) وسيكون أهم ما نعنى به في الصفحات التالية عند الكلام على أحوال مصر منذ بداية القرن التاسع عشر هو الطريقة التي استجاب بها هذا البلد الإسلامي لعملية صبغه بالصبغة الأوربية، وما كان لهذا العمل فيه من آثار.
[١ - تاريخ مصر السياسي]
وفي وسعنا أن نقسم تاريخ مصر من أوائل القرن التاسع عشر حتى حرب عام ١٩١٤ إلى أربعة عهود متمايزة:
١ - من الحملة الفرنسية إلى أن استتب الأمر نهائيا لمحمد على (١٧٩٨ - ١٨٠٥).
٢ - من بداية حكم محمد علي إلى نهاية العهد الذي كانت فيه مصر إحدى الدول الكبرى ١٨٠٥ - ١٨٤١.
٣ - من ذلك الوقت إلى بداية الاحتلال الإنجليزى (١٨٤١ - ١٨٨٢).
٤ - عهد الإحتلال الإنكليزى حتى إعلان الحماية الإنكليزية (١٨٨٢ - ١٩١٤).
وكان من أهم أسباب الحملة الفرنسية على مصر رغبة فرنسا في أن تمنع إنكلترة من أن تقوم هي نفسها بمثل هذا العمل. ذلك أن مصالح فرنسا التجارية في مصر كانت خلال القرن الثامن عشر أعظم شأنًا من مصالح إنكلترة فيها، فلما عقدت إنكلترة معاهدة تجارية مع على بك الكبير الذي اغتصب ملك مصر لنفسه وسمح لها بمقتضاها أن ترسل سفنها إلى مياه البحر الأحمر لتنقل المتاجر بين الهند ومصر، أصبح تدخل إنكلترة في شئون مصر خطرا سياسيا عظيما. وكان موقع مصر الجغرافي مما جعلها مركزا تلتقى فيه المصالح الأوربية السياسية منذ الساعة التي ثبتت فيها دعائم الاستعمار في الهند، وأصبح الطريق البحرى وحده لا يفي بمطالب الاستعمار الأوربى. فكان الاستيلاء على مصر موضع البحث في