للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السور المدنية، أما فى السور المكية فهى لم ترد إلا مرة واحدة، فى سورة مريم الآية ٢٦، والمفسرون يفسرونها "بالصمت" (ولذلك فإن هذه هى إحدى ترجمات الكلمة فى القواميس) لكن يجوز أن تترجم كلمة صوم هنا "بالصوم" (بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب؛ انظر ما يلى)، ويذكر بعد الفعل ظرف الزمان الدال على الوقت الذى يقضيه الإنسان صائما.

[نشأة فريضة الصوم]

لا يسوغ للإنسان أن يفترض افتراضا أوليا: أن الصوم لم يكن شعيرة معروفة فى مكة قبل زمان محمد (عليه الصلاة والسلام)، فلماذا لا يقال إن الحنفاء كانوا يزاولون هذه الرياضة الروحية، إذا عرفنا أنه كان يتجلى فى أسلوب حياتهم كثير من الخصال اليهودية النصرانية، وذلك على الأقل بحسب ما جاء فى الروايات (٤).


= ثم إن الصوم من حيث هو تكليف إلهى وطاعة شئ قديم، وما هو دليل كاتب المادة على أن الصوم لم يكن أقدم مما عند اليهود؟ لماذا لم يكن هناك صوم منذ آدم أو على عهد نوح أو إبراهيم عليهم السلام. والدلائل الحاسمة تدل على وجود تراث دينى لإبراهيم عليه السلام بين العرب وخصوصًا فى مكة. والعرب جميعًا يعرفون أن إبراهيم هو الذى بنى البيت الحرام. وفى جزيرة العرب بقى تراث إبراهيم فى ذرية أكبر أبنائه، وهو إسماعيل عليه السلام، وهذا التراث قد بقى عندهم حيًا بعيدًا عن الاضطراب زمانا طويلا. وعندما ننظر فى التاريخ الدينى عند العرب يجب ألا يغرب عن بالنا وجود تراث روحى أصيل عندهم يرجع إلى ما قبل اليهودية والنصرانية. ولما جاء الإسلام جاء خاتمة الوحى الالهى بانيًا على ملة إبراهيم عليه السلام وهى التوحيد النقى الخالص بعد ما أصابها بسبب اضطراب التراث الدينى عند اليهود ثم بسبب إغفالهم -لما دونوا تراثهم أخيرًا- كل ما كان هناك من تراث وإبراهيم بين أبناء إسماعيل، هذا إلى جانب ما أصاب الدين الحق الأصلى بسبب الاختلاف والتطاعن بين اليهود والنصارى وتسرب العناصر الغريبة إلى الدين عندهم وضياع التراث الحقيقى وطروء التغير عليه.
وكيف يتصور أحد أن يكون معنى الصوم من حيث هو عبادة على صورة الكف عن الطعام والشراب. . إلخ. مجهولا عند أهل مكة بحيث لا يعرف معناه عن كثب إلا من يكون فى المدينة؟ إن الكاتب نفسه يقول فيما يلى بجواز أن يكون الصوم معروفا فى مكة قبل الإسلام، وهو إذا كان يتصور من عدم ورود كلمة "صوم" فى السور المكية، بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب، أن معناه هذا كان مجهولا فهو استدلال ليس له أساس، وإذا كان بعض المفسرين قدر ان معنى "الصوم" -فى هذه الآية من سورة مريم- الذى نذرته السيدة مريم عليها السلام و"الصمت" فإن الصوم لا يمكن أن يطلق على الصمت إلا من جهة أن الصمت إمساك عن الكلام، فالصوم أساسًا هو الإمساك وقد يكون عن الكلام وعن غير الكلام. على أن بعض الروايات عند المسلمين تقول: إن صوم السيدة مريم كان صومًا عن الكلام وعن الطعام والشراب (راجع تفسير الرازى للآية).
(٤) حكم كاتب على الحنفاء ظنى، وهو لا يذكر دليلًا عليه، كما لم يذكر دليلًا على أن الصوم لم يكن أقدم من اليهودية. إن الحنفاء أو الحنيفيين الذين كانوا قبل الإسلام لم يأخذوا باليهودية ولا بالنصرانية =