للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ستراسبورغ ١٩١٠, ص ٣٦؛ هامش ٣؛ وانظر ما قاله S. Frankel من قبل فى de Vocab . . . in Corani Peregrine, ليدن ١٨٨٠، ص ٢٠، مادة quiescere). أما "الصوم" [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب] فيجوز أن يكون مأخوذًا عن الاستعمال اللغوى اليهودى - الآرامى، لما عرف محمد عليه الصلاة والسلام وهو فى المدينة شعيرة الصوم عن كثب (٣). وهذا المعنى أصبح للكلمة فى


= حقيقة إنه فى اللغة! صامت الشمس عند إنتصاف النهار إذا أقامت مكانها ولم تبرح، وصامت الريح ركدت، ومصام الفرس مقامه وموقفه، وصام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة.
ولكن فى اللغة أيضًا: الصوم مطلق الإمساك أو الكف عن الفعل. قال الخليل: الصوم قيام بلا عمل. وقال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم. وأخيرا فى كلام العرب: صام الفرس أى أقام على غير اعتلاف، وصامت الخيل أى كفت عن السير.
فنحن نلاحظ أن كلمة الصوم بمعنى الركود، وأيضًا بمعنى الإمساك عن الفعل، جارية فى لغة العرب، وهناك شواهد قديمة مذكورة فى المعاجم تدل على الاستعمال الأصلى القديم للكلمة.
وإذن يدل كلام العرب على أن الركود والمقام ليس هو المعنى الأصلى الوحيد للكلمة، كما يؤخذ من كلام المؤلف، وفى عصر نزول القرآن كانت كلمات لا تحصى من لغة العرب قد تطورت من الدلالة الأصلية المادية إلى دلالات معنوية، وأصبح الصوم دالا على الركود والمقام ودالا كذلك على الإمساك عن الفعل، حتى كان العرب يسمون الصامت صائما لإمساكه عن الكلام، فلما جاء فرض الكف عن الطعام والشراب بحسب ما بينه الإسلام سمى ذلك صومًا وصياما، على أساس معروف.
ولذلك نجد كل من تكلم عن الصوم من العلماء يذكر الدلالة الأصلية للكلمة وهى مطلق الإمساك عن الفعلا ثم الدلالة الشرعية، وهذا هو الحال بالنسبة لسائر الاصطلاحات الشرعية -راجع مثلا تفسير البيضاوى لآية الصوم، وكتاب التعريفات للجرجانى، وكشاف اصطلاحات الفنون (مادة صوم)، وراجع جميع الأبواب فى المرجع الفقهى الذى اعتمد عليه كاتب المادة حيث يذكر المعنى اللغوى ثم المعنى الشرعى الاصطلاحى للألفاظ.
(٣) إن ما يذهب إليه كاتب من تجويز أن يكون معنى كلمة صوم فى اللغة العربية بعد الإسلام مأخوذًا من الاستعمال اللغوى اليهودى الآرامى ظن صرف لا يؤيده أى دليل.
وليس هناك ما يدل دلالة قاطعة على أن ذلك الاستعمال المزعوم أقدم من الاستعمال العربى الأصيل، بل العكس هو الصحيح؛ لأن اللغة العربية هى الأقدم بين اللغات السامية التى تفرعت عن اللغة الأم، وهى فى موطنها الداخلى آصل وأبعد عن التأثيرات الأجنبية.
والكاتب كأنما يتجاهل أمرًا لا سبيل إلى الشك فيه، وهو أن الأصول اللغوية للمصطلحات الشرعية الإسلامية كانت موجودة فى اللغة العربية، كما كان يتكلمها أهلها فى البيئة التى نزل فيها القرآن الكريم، والإسلام هو الذى خصصها بمعان جديدة، لكن على أساس استعمالها اللغوى البخارى، ومن ذلك هذه الكلمة: صوم، التى كانت تدل -كما قدمنا القول- على مطلق الإمساك عن الفعل فخصصها الإسلام بالإمساك عن الطعام والشراب ونحوهما من لذات الحس والجوارح المدة المحددة لذلك، من الفجر إلى تمام غروب الشمس. ولولا أن القرآن الكريم جاء بلغة العرب المستقرة بينهم لما فهموه. =