قيام دولة بنى نصر: حدث فى أعقاب وفاة أبى يعقوب يوسف المستنصر سنة ٦٢٠ هـ (= ١٢٢٤ م) دون أن يخلف ولدًا قيام نزاع أسرى أدى إلى تدهور الإدارة المركزية فى الأندلس، رافقه ظهور بأس بنى مَرْدنيش فى بلنسية وبنى "هود" فى مرسية إلى جانب استحواذ فرديناند الثالث صاحب قشتالة على ناج ليون سنة ١٢٣٠ م، وقد أخذت جيوشه تتوغل منذ سنة ١٢٣١ م فى الولايات الإسلامية حتى أمكنها الإستيلاء على قرطبة (٦٣٢ هـ = ١٢٣٦ م) ثم أشبيلية (٦٤٦ = ١٢٤٨ م) وأدى ضياع هاتين المدينتين الكبيرتين إلى أنه لم يبق للإسلام قوة فى الوادى الكبير، كما انحسرت السيطرة الإسلامية الفعالة إلا عن جزء صغير من شبه جزيرة أيبريا.
فى هذه الظروف تأسست دولة يرجع الفضل فى تبوُّئها دروة القوة إلى مجهودات محمد (الأول) بن يوسف ابن نصر، وقامت هذه الأسرة فى أرجونة التى لم تكن تزيد عن كونها بلدة صغيرة على حدود نهر الوادى الكبير الجنوبية، ولا تبعد عن "جِيّان" أكثر من ثلاثين كيلو مترا، واستطاع محمد بن يوسف هذا أن يمد حدوده حتى بلغت وادى آش" Yuadut كما وصلت إلى تخوم غرناطة وبياسة Baeya على الساحل الشمالى لنهر الوادى الكبير، ولقد وجدت دولة بنى نصر معاونة من جانب أسرة عربية أسبانية هى أسرة بنى "أشْقِيلولة" التجيبية المعروفة فى المراجع القشتالية باسم escayola واستطاع محمد بن يوسف بفضل مساعدة هذه الأسرة له، وبفضل المصاهرات أن يصبح حاكم "أرجُونة" وأن يطلب إليه أشراف غرناطة أن يتولى أمر مدينتهم وذلك سنة ٦٣٤ هـ (= ١٢٣٧ م)، وقد اشتهر محمد بن يوسف بن نصر هذا فى مستهل حياته بأنه رجل "دعوة" دينية جذب بها الجماهير إلى جانبه، ونجح فى أن يضم إلى جانبه من أصبح يده اليمنى وهو على بن أشْقيلُولة"، كما استطاع أن يجعل المالكية يقفون إلى جانبه، ثم أراد الاستقلال بالأمور وجعلها فى أسرته بنى نصر فأعلن فى سنة ٦٥٥ هـ (= ١٢٥٧ م) أن وَلِيىّ عهده هما ولداه محمد ويوسف، وقد أسفر ذلك عن نزاع بين أسرته وبين