واد عميق غير منتظم به أحراج من شجر النخيل، وهو على مسيرة يوم من مكة على طريق من الطرق الممتدة إلى الطائف. وقد شهد من هذا الوادي الوقعة الشهيرة التي حدثت بعد فتح مكة وهي ثاني وقعة تذكر بالاسم في القرآن (سورة التوبة الآية ٢٥ - ٢٦)، ذلك أن قبائل هوازن المتحالفة لم تشأ التمهل انتظارًا لما يسفر عنه هذا النضال الأخير فحشدت جميع ما لديها من الجند، وعسكرت في الدروب المشرفة على سهل حنين. وعمد مالك بن عوف قائدهم إلى جلب أسر المحاربين وقطعانهم إلى هناك اعتقادًا منه بأن ذلك يثبت من أقدام جنده فلا يمكن قهرهم.
ويوحى لنا القرآن بجملة ملاحظات عن سير هذه الوقعة. قهو ينبئنا بأن المسلمين هزموا في أول المعركة على الرغم من كثرة عددهم، ولم يسلم جيش النبي [- صلى الله عليه وسلم -] إلا بعد أن أنزل الله جنودًا من عنده لم ترها العين. وقد خرج كل مؤلف من ذلك برواية تصف هاتين المرحلتين من مراحل المعركة ولم يفته أن يشيد بشجاعة أفراد قبيلته أو أشخاص كان لهم شأن خاص في صدر الإسلام، أما فيما عدا ذلك فإن الروايات تتضارب ويسودها الاضطراب، وهي تدلنا على أن كتاب السيرة النبوية في طورها المتقدم قد لاقوا صعابًا كثيرة في استعادة تطور الحركات التي وقعت في هذه المعركة، ويدخل الطريق بعد أن يغادر واحة حنين الضيقة في ثنيات متعرجة صالحة لأن تكون مكامن ومخابئ.
ومن ثم كمن مالك بن عوف في هذه الدروب انتظارًا لمقدم المسلمين. وأقبل هؤلاء في غير نظام دون أن يتوقعوا مباغتة العدو لهم فدهمتهم خيالة البدو بهجوم مفاجئ وانهالت عليهم السهام من كل ناحية فولى جنود النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مدبرين {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(سورة التوبة. الآية ٢٥) وتركوا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وحده فترة من الزمن فأحاط به