بقيت جوانب من خصائص الحياة الأدبية عند بشار بن برد لم يتعرض لها الأستاذ بروكلمان.
وأظهر تلك الجوانب هو اهتمام بشار بالمحسنات البديعية، وهو لم يخلق فنون البديع خلقا: فقد كانت معروفة منذ العصر الجاهلى، ولها شواهد كثيرة في القرآن والحديث، ولكنه وجه إليها أنظار الشعراء والكتاب والخطباء، وقد كان بالفعل شاعرا وكاتبا وخطيبًا. وكان لذلك التوجيه تأثير شديد في تلوين الأذواق الأدبية عند شعراء العراق، فقد فتن مسلم بن الوليد بتلك الفنون فتنة شديدة شهدنا أثرها عند الطائيّ أبي تمام الذي حلف لا يصلى حتى يحفظ ديوان مسلم بن الوليد.
وكذلك يكون بشار مؤسس مدرسة البديع، ويكون مسلم وأبو تمام العمادين القويين لهذه المدرسة الأدبية.
وقد اختل بناء هذه المدرسة فيما بعد حين انتسب إليها من لا يفقهون شيئًا في هندسة الألفاظ والمعانى، ولكن يكفى أن يكون من تلاميذها بديع الزمان والحريرى اللذان أتيا بالأعاجيب في هندسة النثر الفني.
ولم تخل هذه المدرسة من فضل، حتى في أيام الانحطاط، فمن هذه المدرسة نشأ ناظمو البديعيات وشراح البديعيات، وهم قوم أبدعوا في نشر الثقافة الأدبية.
وهناك جانب آخر هو قدرة بشار على جعل الشعر مادة أساسية في الحياة اليومية. فقد استطاع أن يقدم إلى أهل عصره جميع ما يشتهون، فكانت أشعاره زاد اللاعبين واللاهين من الفتيان والفتيات، وكانت كذلك مسلاة للباكيات والنائحات، وساعده على ذلك افتقاره بسبب عاهته إلى الأنس بجميع الناس من عوام وخواص، ورجال ونساء، فدخلت إلى ذهنه صور كثيرة من حياة المجتمع، واستطاع أن يصور الأفراح والأتراح تصويرًا يمتزج بالنفوس والقلوب.
وقد راع معاصريه بهذه الألوان، فهم الذين أنكروا عليه أن يقول: