د- مكانة مالك فى تاريخ الفقه: يمثل مالك مرحلة فى تطور الفقه، لم يكن فيها الفكر (الاستدلال) تاما وجوهريا، بل عرضيا ولغرض معين، ولم يصبح فيها التفكير "القانونى" أو الشرعى للإسلام تشريعا بعد؛ وكانت هناك العادات والعرف فى "المدينة" حيث وضعت الأسس الحاسمة للشرع الإسلامى. . من بين الموضوعات الرئيسية فى التفكير التشريعى الذى يتضح فى الموطأ، نفاذ الأفكار الدينية والأخلاقية وتخللها فى الحياة الشرعية برمتها.
وعلى حين كانت أسلمة القانون (صبغة بالطابع الإسلامى) قد تم إقرارها بمبادئه الرئيسية قبل مالك، فإن أجيالا كثيرة ظلت تعكف على تصنيفه منهجيا؛ ولذلك فإن إنجاز مالك الوحيد فى مجال التشريع يكمن فى تطويره لصياغة هذا النظام -ولا نستطيع أن نؤكد مدى ضخامة أو عظمة هذه المساحة بسبب افتقاد المادة التى تتيح لنا عقد المقارنة. . ولكن النجاح المذهل الذى حققه الموطأ، من بين عدد من الأعمال المماثلة، ينبثق من أنه سجل إجماع الرأى فى المدينة دون أى تدخل منه، ومن ثم أصبح يعتبر حجة بسبب إعرابه عن المنهج الوسط (مثلما أصبحت) الأعمال حول الأحاديث الشريفة شرعية "أو تشريعية"). ولذلك لا يعتبر الموطأ فى هذه الحالة دليلا على اجتهاد مالك الشخصى بقدر ما هو دليل على المرحلة التى تم الوصول إليها فى التطور العام للقانون (الشريعة) فى عصره. ومن ثم يمكن أن نقول إن "الوسطية"(الصفة الوسط) هى ما كان يستهدفه مالك.
[المصادر]
(١) ابن قتيبة فى كتاب المعارف - السمعانى فى كتاب الأنساب - السيوطى فى تزيين الممالك - ابن القاسم فى "المدونة".
(٢) عيسى بن سعود الزواوى فى "مناقب سيدنا الإمام مالك".